چکیده:
لاغرو في اهتمام العلماء بالقرآن الكريم منذ نزوله على النبي ( ومن الموضوعات التي أولوها عناية فائقة النظم القرآني وعلاقته بالإعجاز، إلى أن وصل ذروته عند عبد القاهر الجرجاني الذي استقى من جميع الينابيع التي سبقته ونادى بفكرة النظم وفلسفتها بأسلوبه المنطقي وبفكره الواعي. ولهذا يرمى هذا البحث إلى دراسة هذه النظرية في سورة غافر، مستخدما المنهج التحليلي ـ الوصفي، مشيرا إلى تعريف النظم وأهم آراء العلماء فيه، متأملا في الأجزاء الثلاثة للنظم، ألا وهي: اللفظة، والتركيب، والمعنى. من أهم ما ظهر من النتائج خلال البحث أن التلاؤم ظاهر في السورة في المستويات المختلفة، كالألفاظ،والتراكيب، والمعنى وأن هناك انسجام تام في استخدام الأساليب المختلفة فضلا عن وجود التصاوير البيانية مقترنة بالتعابير الدقيقة.
خلاصه ماشینی:
"قد عملنا علی تتبع تکرار بعض الأصوات والحروف فی السورة، محاولا الکشف عن العلاقة التی تربط بین هذه الأصوات وبین الجو الذی وردت فیه، وقد تناولنا مجموعة متشابهة من الأصوات، وتحدثنا عن میزاتها وخصائصها، وعن المعانی التی جسدتها، وعن انسجامها مع أجواء الآیات وسیاقاتها، کما یأتی والجدیر بالذکر أن هذا المنهج متوخی من منهج الکاتب رفیق أحمد صالح فی دراسة سورة "مریم" دراسة أسلوبیة: أصوات المد قد منحت الکثیر من الوضوح والإبانة لکلام الملائکة عندما استرحموا الله (، لیدل علی کثرة حاجة الذین تابوا إلی رحمة الله (، کقوله تعالی: (ربنا وسعت کل شیء رحمة وعلما فاغفر للذین تابوا واتبعوا سبیلک وقهم عذاب الجحیم( (غافر40: 7).
ومن سمات ألفاظ سورة «غافر» وممیزاتها هی: الدقة فی الاختیار، إذ تعتبر سمة بارزة وعامة نتذوقها فی کل ألفاظ القرآن الکریم، فإنک تجد أن اللفظ قد جاء فی مکانه المناسب، وعبر عن المعنی المطلوب تعبیرا دقیقا ومن مظاهر هذه المیزة فی السورة أیضا أنه لا یمکن استبدال لفظ بغیره دون أن یختل المعنی، لأنک لو حاولت أن تستبدل بلفظ القرآن لفظا آخر من عندک لن تجده یعبر عن المعنی بالدقة نفسها التی یعبر عنها لفظ القرآن ولن تعثر فیه علی تلک الإحاطة بالمعنی من جمیع الجهات، ولا بد أن نشیر أن اختیار اللفظ القرآنی یخضع لمحددات عدیدة کما یخضع لسیاق السورة والتناسب الدلالی والتناسق التعبیری والقرآن حین اختار المفردة إنما انتقاها من بین نظائرها المتعددة التی تؤدی معناها لکن التوظیف القرآنی لتلک المفردة أمر مقصود لا بد من الإحاطه بالصورة الکلیة التی وظفت المفردة فی إطارها، مثلا قوله تعالی: (کذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت کل أمة برسولهم لیأخذوه وجادلوا بالباطل لیدحضوا به الحق فأخذتهم فکیف کان عقاب( (غافر 40: 5)، فلفظ (لیأخذوا) هنا موظف دلالیا بمعنی (لیقتلوه) لکن لم لم یوظف هذا المرادف الدال علی المعنی؟ یقول الباقلانی: «هل تقع موقع (لیأخذوه) کلمة؟ وهل تقوم مقامه فی الجزالة لفظة؟ وهل یسد مسده فی الأصالة نکتة؟ لو وضع موضع ذلک (لیقتلوه) أو (لیرجموه) أو (لیطردوه) أو (لیهلکوه) أو (لیذلوه) أو نحو هذا ما کان ذلک بدیعا ولا بارعا ولا عجیبا ولا بالغا ..."