خلاصه ماشینی:
"إن القول بوجود أمة ووجود مجتمع یعنی بالضرورة وجود ما یمیز الأمة عن غیرها من الأمم ووجود ما یمیز المجتمع عن غیره من المجتمعات ، رغم التشابه الذی یکون بین الأمم والمجتمعات ، وکذلک لا یضیر التمایز بین الأمم تسرب بعض الظواهر الاجتماعیة من أمة إلی أمة ، ومن مجتمع إلی مجتمع ، وظهورها فی المجتمع الجدید جنبا إلی جنب مع العناصر الاجتماعیة الأولیة فیه ، ما دام جسم المجتمع الکلی یظل محتفظا بسماته العامة التی تحفظ المجتمع وعلی الأمة شخصیتها التی تمیزها عن غیرها من الأمم والمجتمعات ، واذا أمعنا النظر لاستکشاف القواعد الأساس التی تظل علی الدوام ، تمد شخصیة الأمة بالرواء وتهبها القوة والبقاء ، نجدها ماثلة فی طریق الأمة فی الحیاة ، وهی طریق تشکل عقیدة الأمة ، قاعدتها وتشکل القوانین والأنظمة والأفکار القائمة علی هذه العقیدة فروعها ، وعلیه ، فإن حضارة أیة أمة هی مجموعة المفاهیم الموجودة عند الأمة حیال الکون والإنسان والحیاة ـ وبمعنی آخر عقیدة الأمة ، وما ینبثق عن هذه المفاهیم أی عن العقیدة ، من قوانین وأنظمة وأفکار تعالج المشکلات المتعلقة بأفراد الناس وجماعاتهم فی المجتمع وما یتصل بهم من مصالح تعود علیهم ، فعقیدة الأمة وما ینبثق عنها من حلول لمشکلات الأمة علی شکل قوانین وأنظمة وأفکار ، هی التی تمنح الأمة شخصیتها الحضاریة المتمیزة ، ویمکن أن تکون برأینا مدلول مصطلح لفظ الحضارة ، وعند تبنی هذا المدلول للفظ الحضارة یجد المرء سهلا معرفة ما بین الحضارات الغربیة والمادیة والإسلامیة من فروق ویدرک سر التمایز بینها(1) ."