خلاصه ماشینی:
"هذا فصل من الکلام ساق إلیه البیان , وفیه تبصرة لمن یتبصر , وتذکرة لمن یتذکر , ثم أعود بک إلی سابق الحدیث فیما کنا بصدده : هل لعاقل لم یصب برزیئة فی عقله أن یعد الاعتدال من التعصب الدینی نقیصة ؟ وهل یوجد فرق بینه وبین التعصب الجنسی إلا بما یکون به التعصب الدینی أقدس وأطهر وأعم فائدة ؟ لا نخال عاقلا یرتاب فی صحة ما قررناه ، فما لأولئک القوم یهذون بما لا یدرون ؟ أی أصل من أصول العقل یستندون إلیه فی المفاخرة والمباهاة بالتعصب الجنسی فقط واعتقاده فضیلة من أشرف الفضائل ویعبرون عنه بمحبة الوطن [2] وأی قاعدة من قواعد العمران البشری یعتمدون علیها فی التهاون بالتعصب الدینی المعتدل وحسبانه نقیصة یجب الترفع عنها ؟ نعم إن الإفرنج تأکد لدیهم أن أقوی رابطة بین المسلمین إنما هی الرابطة الدینیة , وأدرکوا أن قوتهم لا تکون إلا بالعصبیة الاعتقادیة ولأولئک الإفرنج مطامع فی دیار المسلمین وأوطانهم فتوجهت عنایتهم إلی بث هذه الأفکار الساقطة بین أرباب الدیانة الإسلامیة , وزینوا لهم هجر هذه الصلة المقدسة , وفصم حبالها لینقضوا بذلک بناء الملة الإسلامیة ویمزقوها شیعا وأحزابا ، فإنهم علموا کما علمنا وعلم العقلاء أجمعون أن المسلمین لا یعرفون لهم جنسیة إلا فی دینهم واعتقادهم ، وتسنی للمفسدین نجاح فی بعض الأقطار الإسلامیة , وتبعهم بعض الغفل من المسلمین جهلا وتقلیدا فساعدوهم علی التنفیر من العصبیة الدینیة بعد ما فقدوها , ولم یستبدلوا بها رابطة الجنس ( الوطنیة ) التی یبالغون فی تعظیمها واحترامها حمقا منهم وسفاهة , فمثلهم کمثل من هدم بیته قبل أن یهیئ لنفسه مسکنا سواه ؛ فاضطر للإقامة بالعراء معرضا لفواعل الجو وما تصول به علی حیاته ."