خلاصه ماشینی:
"ثم إنه لم یقف فی تفضله علی عند حد مساعدتی بعلمه وحذقه فی فن التولید علی النجاة من الهلاک الذی کنت مشفقة من الوقوع فیه , بل إنه قد تکرم أیضا بأن محضنی النصح شأن الصدیق مع صدیقته فیما یجب للمولود من ضروب العنایة فقال : ( إنی أخاطب الآن غرة لا خبرة عندها فلا تدهش لما سألقیه علیها من أفکاری , فإن أقل مزیة لها أن أساسها التجربة والاختبار , قد نبه کثیر من وصفائی أفکار الناس فی جمیع البلدان إلی کثرة عدد الوفیات المریعة فی الأطفال الحدیثی العهد بالولادة , ویمکن إرجاع هذه البلوی إلی جملة أسباب ، کفاقة الوالدین وفساد أخلاقهما وعدم کفایة أقواتهما , ولکنی أعتقد أن أخص سبب یجب أن ینسب إلیه ذلک هو جهل الأمهات بما تجب علیهن رعایته فی شأن أولادهن ، فإن الاساءة فی بعض طرق العنایة بالموالید کاتخاذها فی غیر وقتها , أو الخطأ فی تدبیرها لا تقل عن إهمال شأنهم شؤما وسوء مغبة , وإنی لست أقصد بهذا أنه یجب علی الأمهات أن یجرین علی ما تقتضیه الفطرة جری عمایة وغفلة , فإنهن إن یفعلن ذلک یعصین الله ( سبحانه ) بتخلیهن عن العقل الذی لم یهبه لهن إلا لمراقبة سیر الفطرة فی مناهجها وإقامتها علیها إذا حادت عنها , وإنما أعنی بذلک أن الاوهام والعادات والمعارف الکاذبة هی أعدی أعداء الموالید فتجب محاربتها ومحو آثارها , وینبغی أن تعتقدی أننا لسنا أسوا من غیرنا حالا فی تربیة موالیدنا ؛ لأن شعبنا یزداد زیادة ظاهرة حتی إنه قد ضاقت عن سکناه أرجاء بلادنا وها نحن أولاء نرسله أفواجا إلی الأقطار السحیقة لیتوطنها ویستعمرها ، ومن هذا تعلمین أن ازدیاد الأجناس لا یکون علی نسبة عدد الأطفال المولودین , بل علی نسبة عدد من یتخطاهم الموت منهم , وعندی أن هذه النتیجة الحسنة الداعیة إلی الاغتباط فی بلادنا ترجع إلی ثلاثة أمور وهی : استعداد الدم الإنکلیزی السکسونی للحیاة , وانطباع نسائنا علی حب بیوتهن والعنایة بها وما لذوی العقول المستضیئة بنور العرفان من علمائنا من التأثیر فی نفوس العامة فإن کثیرا من نطس الأطباء الطائری الصیت عندنا لم یأنفوا أن یقوموا ببث الأفکار الصحیحة والآراء السدیدة فی فن القیام علی الموالید بین أفراد الشعب ) ."