خلاصه ماشینی:
"( ثانیها ) مسألة الفصل بین السلطة الدینیة والسلطة السیاسة وهی أهم المسائل التی تطلبها أوربا من المسلمین , والجرائد التی تدعو الشرقیین أو المسلمین إلی مدنیة أوربا تجتهد فی فی إقامة الحجج علی أن النجاح موقوف علی هذا الفصل , وربما کان فیهم من یعتقد ذلک حقیقة , وقد کتبنا فی هذا غیر مرة ومن ذلک مقالة عنوانها ( الدین والدولة والخلافة والسلطنة ) بلغنا أن قناصل الدول فی القاهرة ترجموها وأرسلوها إلی أوربا , ولیس من غرضنا الآن إلا مناقشة موسیو هانوتو للوقوف علی حقیقة مراده , قال فی حدیثه مع تقلا باشا بعد کلام فی المسألة : ( وهذا ما نرید تأییده نحن الفرنسویین فی مستعمراتنا بأن یکون الأمر المطلق للسلطة الحاکمة مع احترام عقائد الشعوب الذین تحت حکمنا وسلطتنا , وهو ماسرنا علیه فی الجزائر وتونس وغیرهما من المستعمرات الفرنسویة ) ونحن نقول : إن المسلمین یکتفون من الفرنسوین وغیرهم من المتسلطین علیهم من الأوروبیین بأن لا یتعرضوا لشیء من أمور دینهم , ولکن الفرنسویین منعوا الحج من القطرین واستولوا علی الأوقاف ومنعوا حقوق الحرمین الشریفین منها , وذکر العلامة الشیخ محمد بیرم فی رحلته ( صفوة الاعتبار ) أنه لم یبق فی مدینة الجزائر إلا أربعة جوامع , ولقد عارض الباشا هانوتو مذکرا له بأن أهل الجزائر غیر راضین عن فرنسا فاعترف بذلک ووعد بالکتابة فیه , وأکد القول بأن أهل تونس راضون بإصلاح فرنسا بلادهم لاحترامها جوامعهم وعقائدهم وأحوالهم الشخصیة وهی راضیة منهم باحترام سلطتها السیاسیة وإذا کان هذا القول صحیحا فما هو إلا لأنهم یعتقدون أن منع الحج أمر عرضی مؤقت ، الغرض منه المحافظة علی الصحة وأنهم یتوقعون فی کل عام الإذن لهم بإقامة هذا الرکن الإسلامی العظیم , فإذا علموا بعد ذلک بأن الغایة منه فصل تونس من مکة فلا یمکن أن یرضی منهم واحد بذلک , ولا بد أن تظهر آثار السخط علیهم أجمعین إذ لا فرق عندهم بین أن یمنعوا من دخول المساجد لأداء الصلاة وبین أن یمنعوا من دخول الحرم الشریف لأداء الحج , بل المنع الأخیر أشد جنایة علی الدین لأن الصلاة یصح أن تؤدی فی البیوت والطرق وکل مکان , وأما الحج فلا یصح إلا فی مکة المکرمة ."