خلاصه ماشینی:
"ثم قال : فإذاکانت حالة الفریقین علی ما ذکر فهی لا شک مقتضیة لأن یفضی النسیب منالمؤمنین إلی نسیبه من أهل الکتاب والمشرکین , وکذا المحالف منهم لمحالفه منغیرهم بشیء مما فی نفسه , وإن کان من أسرار الملة التی هی موضوع التباینوالخلاف بینهم , وفی ذلک تعریض مصلحة الملة للخبال ؛ لذلک جعل الله تعالیللصلات بین المؤمنین وغیرهم حدا لا یتعدونه ؛ فقال : { یا أیها الذین آمنوا لاتتخذوا بطانة من دونکم لا یألونکم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههموما تخفی صدورهم أکبر } ( آل عمران : 118 ) إلی آخر الآیات .
هذه حالهم هی لهم بمقتضی الطبیعة لو فرضنا صدقهم وبراءتهم من أغراضأخر , فما ظنک بالأجانب لو کانوا نازحین من بلادهم فرارا من الفقر والفاقة ,وضربوا فی أرض غیرهم طلبا للعیش من أی طریق , وسواء علیهم فی تحصیلهصدقوا أو کذبوا , وسواء وفوا أو قصروا , وسواء راعوا الذمة أو خانوا أو لو کانوامع هذا کله یخدمون مقاصد لأممهم یمهدون لها طرق الولایة والسیادة علیالأقطار التی یتولون الوظائف فیها ( کما هو حال الأجانب فی الممالک الإسلامیة ؛ لایجدون فی أنفسهم حاملا علی الصدق والأمانة , ولکن یجدون منها الباعث علیالغش والخیانة ) ومن تتبع التواریخ التی تمثل لنا أحوال الأمم الماضیة , وتحکی لناعن سنة الله فی خلیقته , وتصریفه لشئون عباده رأی أن الدول فی نموها وبسطتها ماکانت مصونة إلا برجال منها یعرفون لها حقها , کما تعرف لهم حقهم ، وما کان شیءمن أعمالها بید أجنبی عنها , وإن تلک الدول ما انخفض مکانها , ولا سقطت فی هوةالانحطاط إلا عند دخول العنصر الأجنبی فیها ، وارتقاء الغرباء إلی الوظائفالسامیة فی أعمالها ، فإن ذلک کان فی کل دولة آیة الخراب والدمار خصوصا إذاکان بین الغرباء وبین الدولة التی یتناولون أعمالها منافسات وأحقاد مزجت بهادماؤهم , وعجنت بها طینتهم من أزمان طویلة ."