خلاصه ماشینی:
"4 ـ مبدأ التزاحم وترجیح الأهم علی المهم: یعد مبدأ التزاحم من القواعد الأساسیة فی مسایرة الفقه الإسلامی مع المستجدات والمتغیرات، ولنبدأ بتوضیح الموضوع بعد تقدیم مقدمتین: الأولی: إن الأحکام الشرعیة تصاغ وفق القضایا الحقیقیة لا الخارجیة منها، والقضیة الحقیقیة هی التی یکون الموضوع فیها عبارة عن طبیعة الشیء وذاته من دون اعتبار أمر آخر وراء ذلک.
ب ـ إن حفظ ورعایة حرمة جسد المسلم المیت من الواجبات الشرعیة، ولذا یجب علی سائر المسلمین تجهیزه ودفنه، ومن جهة اخری فإن الطبابة ومعالجة المرضی أیضا من الواجبات الدینیة، وإن معرفة جملة من الأمراض وأسبابها لا تتم إلا عن طریق تشریح الجسد، وقد یتزاحم الواجبان، فهل یجوز تشریح جسد المسلم المیت لمعرفة تراکیبه وعلله؛ أم یجب دفنه ولا یجوز تشریحه؟ والجواب هو: إن الحکم فی حالة توافر الأجساد من غیر المسلمین هو الإکتفاء بتشریحها وعدم تشریح أجساد المسلمین.
وأما إذا لم یتوافر العدد المطلوب فیجوز تشریح جسد المسلم المیت، وذلک لأن معرفة الأمراض وأسبابها والحفاظ علی حیاة الناس أمر لا تفوقه حرمة المسلم المیت أهمیة، فلا بد حینئذ من طرح الحرمة الصغری فی سبیل الحرمة الکبری، نعم هناک تفاصیل وفروع دقیقة للموضوع یجب أن تدرس بشکل کامل لکی یکون الحل المقترح مدروسا من جمیع جوانبه، ولا مجال هنا للتعرض لتلک التفاصیل.
والنموذج الذی یمکن الإشارة إلیه فی هذا المجال هو موضوع الزکاة أو الضرائب، ففیه جانبان: الأول: أن الحاکم الشرعی هل له أن یعمم حکم الزکاة إلی موارد اخری حسب ما تقتضیه الظروف المستجدة غیر الموارد المعهودة عند الفقهاء؟ فالبعض یری أن ذلک داخل فی نطاق وظیفة الحاکم الشرعی، کما أن الإمام علیا علیهالسلام جعل الزکاة علی الخیل مع أنها لیست ضمن الموارد التسعة المعروفة للزکاة(1)."