خلاصه ماشینی:
"علی أن القول بعمق هذه الرسائل فی کثیر من موضوعاتها لا یمنعنا من أن نقرر أن فیها ظاهرة قد تکون إحدی العلل التی حدت بعض العلماء الی التجنی علی هذه الجماعة و القول بأنها لم تکن فنیة و لم تکتب بأسلوب علمی،و بأنها تمس الموضوعات و لا تسویها،هذه الظاهرة هی استعمال الأسلوب القصصی المفعم بالأخیلة و الخرافات و الذی یشعر القارئ بأنه یطالع حینا قصیدة من الشعر الفاتن أو صفحة من النثر الخلاب للجاحظ أولا بن المقفع؛ و حینا آخر بأنه یستعرض إحدی قصص«ألف لیلة و لیلة»أو«کلیلة و دمنة»و لکن إخوان الصفاء قد سلکوا هذه الخطة،لیجعلوا آراءهم و نظریاتهم فی متناول عقول الشباب العادی الذی لم یتئقف ثقافة فلسفیة،لأنهم قد یئسوا من الشیوخ الذین احترفوا علم الکلام و أکثروا فیه الجدل و النقاش،و هم-فی رأی هذه الجماعة-جاهلون یجادلون فیما لا یعلمون، و یدعون ما لا یحسنون،و یشوهون الحقائق،و یخلطون بین الآراء لعجزهم عن فهمها،و عن إسنادها إلی أربابها،و فوق ذلک هم فی نظرهم غیر قابلین للإصلاح،و هم فی هذا یقولون: «فإذا کان الأمر کما وصفت فینبغی لک أیها الأخ ألا تشغل بإصلاح المشایخ الهرمة الذین اعتقدوا من الصبا آراء فاسدة،و عادات ردیئة؛و أخلاقا وحشة فإنهم یتعبونک ثم لا ینصلحون و إن صلحوا قلیلا قلیلا فلا یفلحون،و لکن علیک بالشباب السالمی الصدور،الراغبین فی الآداب المبتدئین بالنظر فی العلوم،المریدین طریق الحق و الدار الآخرة و المؤمنین بیوم الحساب،المستعملین شرائع الأنبیاء علیهم السلام،الباحثین عن أسرار کتبهم،التارکین الهوی و الجدل،غیر متعصبین علی المذاهب و اعلم أن الله تعالی ما بعث نبیا إلا و هو شاب،و لا أعطی لعبد حکمة إلا و هو شاب کما ذکرهم و مدحهم فقال عز اسمه: «إنهم فتیة آمنوا بربهم و زدناهم هدی»."