خلاصه ماشینی:
"أما فی المجالات العلمیة و التطبیقیة و التکنولوجیة فإننا نجد أن مجامعنا اللغویة قد قصرت فی القیام بواجبها فسبقتها علوم الطب و الهندسة و ما إلی ذلک،و لم تستطع تلک الجامع اللحاق بالعلوم بالبحتة،مع أن الناس العادیین ینقلون الکلمات یومیا إلی العربیة بصیغتها الأصلیة بعد تهذیبها بما یناسب اللسان العربی فیما یشتد الجدل بین أهل اللغة المتزمتین حول کلمة قد تدل علی المعنی أو لا تدل2.
و أما اللغة ففیها الطاقة اللازمة للتفجر و التفجیر کی تتسع للتعبر عن حاجات العصر؛و إذا نظرنا إلی بعض الشعوب التی کانت لغاتها إلی عهد قریب تکاد تکون میتة فإننا نجدها الیوم تتسع لکل شیء و لیست تلک اللغات بأغنی و لا أقوی و لا أیسر من لغتنا العربیة،و لکن الذین اهتموا بها کانو أوسع تفکیرا و أعمق اهتماما بلغاتهم،و أکثر انتماء لأممهم،و أکثر وفاء لأمجادهم؛لأن اللغة بأهلها إذا نشط أهلها نشطت و أسعفتهم فی کل مجال،و إذا هانت علیهم نفوسهم هانت علیهم لغتهم؛ففی کل مرة تصدی العرب لکل تحد واجههم کانت العربیة تستجیب لهذا التحدی،و تخرج کنوزها لأن أهلها احتاجوا التلک الکنوز،و کأنها تتمثل قول حافظ: أنا البحر فی أحشائه الدر کامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتی و یجب ألا نغفل قدرة فی لغتنا العربیة أدرکها الأقدمون الذین کان رائدهم«ابن جنی»عندما وضع بابا سماه«باب فی شجاعة العربیة»1ضمنه جملة من الفصول نتوقف عند فصل منها و هو«فصل الحمل علی المعنی»الذی یعتبر مظهرا من مظاهر مرونة اللغة و وجها من وجوه تمکنها و قوتها و ثرائها؛و یتجلی ذلک فی حریة المتکلم و المنشئ إذا اقتضته دواعی الصیاغة الأسلوبیة فی تأنیث المذکر و تذکیر المؤنث،و تصور معنی الواحد فی الجماعة و الجماعة فی الواحد،و اتصال الحرف بحرف لیس مما یتعدی به؛لأنه فی معنی فعل یتعدی به..."