چکیده:
يعدّ محمد مهدي الجواهري آخر الشعراء الكلاسيكيين الجدد الكبار في الأدب العربي، ويمكن اعتبار شعره حلقة اتصال بين الشعر الكلاسيكي والشعر الحديث. مع أن شعر الجواهري نظم في الشكل الكلاسيكي، إلا أنه هيأ الأرضية للتغييرات الجذرية في الشعر العربي، ونستطيع القول بأن موسيقى شعره خير دليل على هذا التحول التدريجي. يمكن دراسة شعر الجواهري من الوجهة الموسيقية في ثلاث مراحل: في المرحلة الأولى كان الشاعر تابعاً للطريقة الكلاسيكية تماماً، وجميع مقومات قصائده الفنية يجسّم لنا شعر العصر العباسي. أما في المرحلة الثانية، فيحصل الشاعر على تجارب جديدة في استعمال الأوزان العروضية، ويسعى إلى تقريب موسيقى شعره إلى حاجات العصر ومقتضياته أكثر فأكثر. وفي المرحلة الثالثة يمشي في طريق الابتكار والإبداع، ويحاول مجاراة أسلوب «الشعر الحر».فالجواهري، وإن لم ينجح في تكسير القالب الكلاسيكي التقليدي للقصيدة العربية، إلا أنه استطاع أن يهيئ المجال للتحول والتغيير في موسيقى القصيدة ومضامينها.ونحن في هذه المقالة نتناول مراحل التطور الموسيقي لشعر الجواهري بالدرس والتحقيق، ونذكر ميزات شعره في كل مرحلة؛ وأيضا نبين أهم العناصر الموسيقية في شعره.
خلاصه ماشینی:
من جانب آخر، لیس من المعقول والممکن أن تظل قصائد الشاعر بعیدة عن التأثر والتغییر والتجدید فی هذه الفترة الطویلة؛ لأن القصیدة فی هذه الحالة تفقد قیمتها الإنسانیة والفنیة، مع أن إیقاع قصائد الجواهری کان فی إطار البحور العروضیة القدیمة، وکان بمعزل عن الثورة الکبیرة التی حدثت فی بنیة الشعر العربی وشکله الموسیقی فی أواخر الأربعینیات، لکن السمات الفنیة لشعره ــ منها الموسیقی الشعری ــ خضع فی هذه الفترة للتغییر والتجدید إلی حد ما.
فنری أن بحر الطویل حافظ إلی حد بعید علی النسبة التی کان لها فی المرحلة السابقة؛ لأنه فی المرحلة السابقة یشمل 27% وفی هذه المرحلة 23% من کل القصائد، مع أن «بحر الطویل لا یناسب مضامین شعر العصر الحدیث، ولذلک هبطت نسبة شیوعه هبوطا ملحوظا فی الشعر المعاصر» (أنیس، 1972م، ص 208)، لکن الشاعر استخدم هذا البحر استخداما کثیرا فی هذه المرحلة أیضا.
وأغرب من ذلک أن الشاعر حاول أن یختبر حظه فی حقل «الشعر الحر» أیضا، ونجد فی دیوانه خمس قصائد من هذا النوع: «الشیخ والغابة» (الجواهری، ج1982م، ص 234ـ236)، «زوربا» (الجواهری، د1982م، ص 100ــ104)، «وشاح من الورد » (المصدر نفسه، ص 266ـ268)، « یا حبیبی» (المصدر نفسه، ص 315)، و«کالیجولا» (المصدر نفسه، ص 316ــ321)، إلا أن معظم هذه القصائد أقرب إلی الشکل الکلاسیکی فی مبناها الموسیقی، وذلک رغم مجیء الجمل الإیقاعیة فی أکثر من سطر، ورغم التنویع فی القوافی، حتی إنه استخدم فی قصیدة واحدة مثل «زوربا» البحرین الرمل والکامل.