چکیده:
الشكوى تعبير ذاتي عن هموم الإنسان، و كلما تقدّم في ميدان الثقافة والتحضير، اتّسعت. فهي غرض شعريّ قديم يستجيب لنزعات الشاعر. تُلقي الشكوى ظلالها على ملامح القصيدة، فتُكسب الشعر طابعاً حزيناً.لم يعمد الشعراء في شكواهم إلى التوعّر في الأساليب، بل جنحوا إلى الألفاظ السهلة التي توصل المعنى إلى الذهن دون اللجوء إلى المعاجم اللغويّة؛ وهذه البساطة لم تخلّ بقوة المعنى في شعر الشكوى. إنّ الشعراء في شكواهم استخدموا الأوزان ذات التفاعيل الطويلة الّتي تناسب الحزن، ومالوا إلى بعض الأوزان القصيرة التي تلائم متطلّبات الحياة العامّة في القرنين الثاني والثالث، والقوافي سهلة غير صعبة. استخدم الشعراء البديع والجناس والمقابلة والتصريع والصور التي تعطي الشعر الموسيقى الشعريّة، وشعر الشكوى غنيّ من جانب الموسيقى الداخليّة والخارجيّة.
خلاصه ماشینی:
ت، ص 213) أما المتلمس الضبعی، فهو یصور لنا عدم انتقامه من قومه الذین أرادوا انتقاصه، فیستخدم أداة الشرط «لو»: ولو غیر أخوالی أرادوا نقیصتیجعلت لهم فوق العرانین میسما (المتلمس، 1970م، ص 29) وطرفة بن العبد، فإنه فی شکواه من فقره، وعدم وجود الولد، ویربط ذلک بعدم توفیقه فی الحیاة: ولو شاء ربی کنت قیس بن خالدولو شاء ربی کنت عمرو بن مرثد (طرفة، آ 1989م، ص 51) ویتخذ أبوالشمقمق من صیغة الشرط وسیلة للتعبیر عن فقره وسوء حظه فی الحیاة فیقول: لو رکبت البحار صارت فجاجالا تری فی متونها أمواجا فلو أنی وضعت یاقوتة حمـراء فی راحتی فی متونها أمواجا (ابن عبد ربه، 1982م، ص 216) وفی شکوی السید الحمیری فی سجنه حیث یقول: لولا الدعی ولولا ما تعرض لیمن الحوادث ما فارقتها أبدا (الحمیری، 1982م، ص 96) جاءت أداة الشرط لتؤکد علی حالة نفسیة، لولاها ما ضعف الشخص حتی أسلم نفسه للشکوی والأنین.
وفی الشکوی من الفقر عند شعراء القرنین الثانی والثالث نجد أبا فرعون الساسی یبین صورة أهله: إلیک أشکو صبیة وأمهملا یشبعون وأبوهم مثلهم قد أکلوا اللحم ولم یشبعهموشربوا الماء فطال شربهم (ابن المعتز، 2002م، ص 377ـ 378) ولا نرید أن نکثر من الشواهد علی هذا النوع من الصور ــ رغم کثرتها فی شعر الشکوی ــ ؛ إذ قوامها هذه الألفاظ اللغویة فی بناء شعری یصل أحیانا إلی أدنی درجات الضعف، فیقترب کثیرا من النثر أو النظم التعلیمی؛ حیث یعمد الشاعر فی شعر الشکوی الذی یحمل هذا الطابع أو یقترب منه إلی تقریر حقیقة یشکو منه دون عناء ومن غیر أن یغوص فی أعماق اللغة، أو یغرق کثیرا فی صور المجاز.
وقد اتضح فی شعر الشکوی عمق هذه الموسیقی لارتباطها بدواخل الشعراء النفسیة؛ حیث تختلف حالة الشاعر عند قوله شاکیا عن حالته فی أی غرض من أغراض الشعر العربی.