خلاصه ماشینی:
"التقارب، فقد وقر فی الأذهان والمشاعر ـ بسبب العزلة الطویلة التی فرضها تبادل العداوات من قدیم، وما نجم عن هذا من جهل أتباع المذاهب بعضهم بعضا، وتصدیق ما شاع عنهم من أراجیف وترهات أعطت انطباعا غریبا منفرا حمل علی الخیفة والتوجس ـ أن أتباع کل مذهب هم الذین یستمسکون بتلک الأصول دون سواهم، وبذلک لا ینظرون إلی غیرهم نظرة صحیحة، ولا یحکمون علیهم حکما عادلا، ویهابون القرب منهم، أو التعاون معهم، فإذا ما أدرک الجمیع أنهم لا یختلفون حول أصول العقیدة التی یؤمنون بها وأنهم بها مسلمون وإخوة فإن تلک المشاعر الموروثة التی غذاها الجهل ومکن لها طول الزمن ستخف حدتها وتتواری شیئا فشیئا، ومن ثم تصبح النفوس مهیأة للتآلف والتعارف، ویصبح لصوت التقریب صدی طیب فی کل دیار الإسلام.
مسلما، ویرجع اختلافها فی الأمور الظنیة إلی أسباب علمیة، ولا تمثل هذه الاختلافات مشکلة جوهریة للتقریب إذا فهمت علی وجهها الصحیح، وما دام الواجب علی أتباع المذاهب أن یربأوا بأنفسهم عن القول فی أمر دون علم به، وأیضا أن ینسبوا لأحد رأیا دون تحقیق أو توثیق، أو أن یظلوا فی حالة نفور وازورار عن تراث غیر المذهب الذی یقلدونه، فلا یلمون به أو یدرسونه فإن علی الفقهاء والعلماء أن یهتموا بتوعیة الرأی العام بالثوابت التی تجمع بین أبناء الأمة الإسلامیة ، وأن یوضحوا لهم أن قاعدة الالتقاء بین هؤلاء الأبناء عریضة، وأن مظاهر الاتفاق أکثر من مظاهر الاختلاف (12)، وأن هذه المظاهر لا ینبغی أن تفرق بینهم، فهی رحمة وسعة وتیسیر، فلا یجوز أن تصبح مصدر فتنة وتمزیق."