ملخص الجهاز:
"أشباه العلوم کانت نتیجة ذلک التحول المنهجی الکبیر فی وسائل الحصول علی المعلومة، والتحقق منها، تطور الکثیر من العلوم، کالطب والهندسة والکیمیاء والفیزیاء، والتی احتاجت بعد تطبیق المنهجیة العلمیة علیها إلی التحقق من کثیر من ادعاءاتها، وإعادة بناء الکثیر من نظریاتها، ومراجعة حقائقها ومسلماتها، بغض النظر عن مکانة العلماء الذین آمنوا بها وقدسیتهم؛ کی تواکب هذه العلوم المتطلبات المتزایدة من الدقة والإثبات التی یفرضها المنهج العلمی.
وهو وإن کان یمثل فی یوم من الأیام قمة ما توصلت إلیه البشریة من منهجیات ووسائل تحقق، إلا أننی أتوقع من رجل الأصول فی العصر الحاضر أن یقوم بالتحقق من المرتبة البرهانیة للتواتر علی سبیل المثال، بالتحقق الحسی والتجریبی من حقیقة عدد من الأحداث التی تنطبق علیها شروط التواتر النقلی فی عصرنا الحالی بأعداد مختلفة، ثم یذکر لنا نسبة الأحداث المتواترة نقلا، والتی طابقت الواقع الحسی والتجریبی مقارنة مع ما اتضح بطلانه منها، ویحدد لنا عدد الناقلین، والبعد الزمنی فی کل حال منها، بحیث نصل إلی نتیجة إحصائیة بشأن العدد اللازم من رجال التواتر، والبعد الزمنی المناسب؛ من أجل تقلیل احتمال الکذب والخطأ بشکل کاف للعمل بنقلهم، ثم مقارنة ذلک بعدد الناقلین لکل من الأحداث أو النصوص التاریخیة «المتواترة»، مما یعطینا مؤشرا علی احتمال الکذب والخطأ فی کل حدث منها.
فضرورة القناعة المسبقة بوجوب التقلید لا تنفصل عن ضرورة القناعة المسبقة بقدرة المرجع أو المجتهد علی استنباط الحکم الشرعی بشکل سلیم، وبسلامة العلوم والوسائل والمبانی النظریة التی یعتمد علیها عند استنباطه للحکم، وقدرتها علی الکشف عن الحکم الشرعی، وبعدم تحیز المرجع لرأی معین أو لمصلحة جهة معینة، وبعدم وجود أی تعارض لدی هذا المرجع بین وظیفته العلمیة فی استنباط الأحکام وأی وظیفة أخری مالیة أو تنفیذیة تقلدها، وبالتالی ضمان کونه «صائنا لنفسه، حافظا لدینه، مخالفا لهواه»، کما ینقل عن الإمام العسکری× قوله، وخصوصا إذا کان المرجع هو من یفتی لنفسه بهذه الوظیفة المالیة أو المنصب التنفیذی."