ملخص الجهاز:
"والقانون الذی یحکم هذه الاجتماعات هو التخصص وتوزیع العمل؛ فان الناس مختلفو الفطر متفاضلو الهیئات ، وهم مراتب وعلی قمتها الرئیس بما یمتاز به من الفطرة والطبع ، وبما اکتسبه من الحکمة وفصل الخطاب ، ودونه طوائف من البشر کل بحسب استعداده الی أن نصل الی الأسفلین الذی یخدمون ولا یخدمون؛ ویسوق الفارابی تشبیها لذلک بالبدن فیقول : « والمدینة الفاضلة تشبه البدن التام الصحیح الذی تتعاون أعضاؤه کلها علی تتمیم حیاة الحیوان وعلی حفظها علیه ، وکما أن البدن أعضاؤه مختلفة متفاضلة الفطرة والقوی وفیها عضو واحد رئیسی وهو القلب ، واعضاؤه تقرب مراتبها من ذلک الرئیس ، وکل واحد منها جعلت فیه بالطبع قوة یعقل بها فعله ابتغاء لما هو بالطبع غرض ذلک العضو الرئیس ، وأعضاء اخر فیها قوی تفعل أفعالها علی حسب أغراض هذه التی لیس بینها وبین الرئیس واسطة فهذه فی المرتبة الثانیة ، وأعضاء اخر تفعل الأفعال حسب غرض هؤلاء الذین فی هذه المرتبة الثانیة ، ثم هکذا الی أن تنتهی إلی أعضاء تخدم ولا ترأس أصلا » (1) .
سکان أهل المدینة الفاضلة : یسهب الفارابی (2) فی بیان صفات اولئک السکان ونحن نوجزها بما یلی : معرفة المسبب الأول وجمیع ما یوصف به ، ثم الأشیاء المفارقة للمادة وصفاتها ، ثم الجواهر السماویة وصفات کل واحد منها ، ثم الأجسام الطبیعیة کیف تتکون وتفسد ، ثم کون الإنسان وکیف تحدث قوی النفس وتأثرها بالعقل الفعال ثم الرئیس الاول ، وکیف یکون الوحی ، ثم الرؤساء الذین ینبغی أن یخلفوه ، ثم المدینة الفاضلة وأهلها والسعادة التی تصیر الیها أنفسهم ، والمدن المضادة لها وما تؤول إلیه أنفسهم بعد الموت ..."