خلاصة:
يُقصد من مقولة: (لم يأتِ تأويلها بعد)، المجسِّدة لمستقبل البشرية، والمذكورة في العديد من الروايات، بخصوص بعض النصوص القرآنية، هو أنّها لم يأتِ تحقيق مضمونها في واقع الحياة، ولم يجِئْ تجسيد مفهومها على الأرض. فهي تتحدث عن مستقبل البشرية، وما ستصير إليه الأحداث والوقائع المستقبلية، وما نترقّبه من تحقق حقائقها في آخر الزمان، وما ستؤول إليه حركة التاريخ، وصيرورة الدفع والتدافع، وما ترسمه من آفاق ومسارات، وآمال وتطلعات، وتربّص وترقّبات، ونبوءة واستشرافات... وهي مقولةٌ تؤمن بـ (الحتميات التأريخية)، التي هي صيرورة طبيعية للحركة التاريخية المحكومة بسنن وقوانين ونواميس، تجعلها ذات صيرورة خلاقة ومتجددة، تنأى بها عن الصدفة والاعتباطية، وتبتعد في تفسيرها عن الاستسلام للقضاء والقدر؛ لأنّها ليست خارجة عن إرادة الإنسان ووعيه وفاعليته، بل جرَتْ وتجري بين يديه، وليس من فوق رأسه! وقد شكلت النصوص المباركة التنبوء الصادق عن مستقبل البشرية بتمكين المستضعفين والصالحين المتقين، وإنّه لا يأتي اعتباطاً، ومن دون كدح وعناء، وبذل وعطاء، ومكابدة للشدائد والصعوبات، واقتحام العقبات التي تستوجب منا المزيد من العمل والسعي والصبر والمصابرة والمرابطة، كما تحتاج إلى أن نبذل الكثير من العرق والعلق؛ لأنّ هذه الحتميات التي يركز عليها الخطاب القرآني وإنْ كانت حتميات تاريخية ناجزة، ولكنها تستنبط جهداً إنسانياً كبيراً، وتستلزم جهاداً وسبحاً طويلاً.
ملخص الجهاز:
المقدّمة يتّضح من نظرةٍ استقرائية إلى النصوص القرآنية التي تتحدث عن مستقبل البشرية وما ستؤول إليه الأمور في نهاية المطاف على الأرض، ومستقبل البشرية، أنّها تسير نحو التقدُّم والتكامل والارتقاء، ورسم الأمل المشرق والزاهر الذي يسود فيه العدل والقسط والمحبّة والرخاء، في النصوص الدينية التي تشكل مجموعة كبيرة لا يمكن الإغماض عنها أو تجاوزها.
وهي من الآيات التي ذكرت الأحاديث أنّه (لم يأْتِ تأويلها بعد): الرواية (1): في كتاب كمال الدين وتمام النعمة، «بإسناده إلى أبي بصير قال: قال أبو عبد الله×، في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 33؛ الصفّ: 9)، فقال: والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتّى يخرج القائم×.
وقد ذكرت روايات مدرسة أهل البيت^ أنّ هاتين الآيتين من الآيات التي (لم يأتِ تأويلها بعد): الرواية (1): في روضة الكافي: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن محمد بن مسلم قال: قلتُ لأبي جعفر×: في قول الله عزَّ ذكره: ﴿وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ﴾، فقال: لم يجِئْ تأويل هذه الآية بعد، إنّ رسول الله| رخَّص لهم لحاجته وحاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها لم يقبل منهم، ولكنهم يقتلون حتّى يوحَّد الله عزَّ وجلَّ، وحتّى لا يكون شرك»().
ويمكن أن نسجِّل نظريتين متعاكستين في ذلك: النظرية الأولى: المستقبل السعيد للبشرية بسيادة الحضارة الغربية يرى هؤلاء أنّ العالم سيؤول إلى خير، وسينحسر الظلم والجور في الأرض، وستسود الحضارة الغربية، حتّى كتب فرانسيس فوكوياما كتابه المعروف نهاية التاريخ والإنسان الأخير (صدر عام 1992م)، الذي يتبنّى فيه نهاية الصراع في العالم، وذلك بسيادة الديمقراطية الليبرالية الغربية على العالم، وتبنّي العالم لها؛ باعتبارها الحضارة الأرقى التي وصلت إلى أَوْج التقدُّم والتطوُّر الفكري الأيديولوجي لإنسان ما بعد الحداثة.