ملخص الجهاز:
"فالخلفاء الأمویون و الولاة التابعون لهم و المنفذون أوامرهم یضعون الناس فی السجون،و یعذبونهم،بمجرد الشبهة أو الوشایة،و یعملون السیوف فی الرقاب بحجة تأمین الاستقرار و حفظ النظام،و هو نظام یقوم أساسا علی أن یحکم بنو أمیة وحدهم و لو خالفوا ما سار علیه الخلفاء الراشدون و ما جاء فی القرآن الکریم- و هو دستور المسلمین فی کل زمان و مکان.
و باسم الذین یریدون أن یتمتعوا بحریة الاختیار أمام قوی المجهول،و باسم الذین یریدون أن یمارسوا حریة الإرادة فیما یقدمون علیه و یصفون،و باسم الذین ینتزعون لأنفسهم مجالا أو مکانا راسخا علی سطح الأرض،أعلن المعتزلة أن الإنسان هو الذین یخلق عمله،و یضع سلوکه،و یضع مستقبله،لا الله و لا القدر و لا أی سلطان آخر،فالانسان لیس جمادا تحرکه ید المجهول أو ید السلطان،و إنما هو کائن مرید،یملک أن یکون فعالا لما یرید.
و لا شک فی أن المعتزلة أثروا فی الحیاة الإسلامیة،حتی أنهم وجدوا بعض المؤیدین من أنصار الإمام علی أنفسهم،أی من رجال الفکر الشیعة،و المشهور أن باب الاجتهاد مفتوح عند هذه الطائفة الإسلامیة الکبیرة:فزید،مثلا،و هو إمام الزیدیة-إحدی فرق المسلمین الشیعة-کان،فی مطلع شبابه یجتمع کل یوم تقریبا إلی واصل بن عطاء و یتلقی العلم علی یدیه،و لا شک فی أن زیدا تأثر به.
و لم یکتفوا بذلک بل إنهم أخذوا یضیقون مجال الحریة علی خصومهم من رجال السیاسة و العلم،و یعذبون کل من خالف تفکیرهم أو عارض رأیهم،و خانوا مبادیء الثورة التی آمنوا بها بالأمس، و أهدروا کل ما کافحوا من أجله،فغنموا الأموال الطائلة،و الأراضی الواسعة،و الخیرات العمیمة،و أساءوا إلی العدل،و وزعوا الوظائف علی أنسبائهم و أنصارهم،و ملأوا السجون بمن خالفهم الرأی!و هذا ما أثار ملایین الناس ضد المعتزلة،بعد أن لمست الجماهیر أن المعتزلة و أنصارهم تنکروا لکفاحهم و ضحایاهم،و خانوا دماء الشهداء."