ملخص الجهاز:
"و محمد بن أبی بکر بن سعید الزرعی المشهور بابن القیم(ت 75 هـ)،إعلام الموقعین عن رب العالمین،4 أجزاء،دار الکتب الحدیثة،القاهرة،تحقیق عبد الرحمن الوکیل،1969 م،ج 2، و یلاحظ المطلع علی الفقه الإسلامی أن الفقهاء قد بذلوا کبیر جهدهم و وجهوا بالغ عنایتهم نحو جرائم القصاص و الحدود،لأنها مقدرة العقوبة و ثابتة بنصوص شرعیة خاصة لکل منها لا تقبل التغییر أو التبدیل،نظرا لخطورة هذه الجرائم و ما تلحقه من فزع و اضطراب فی حیاة الناس،فالعقوبات فی هذه الجرائم شرعت لحمایة مصالح ثابتة لا یجوز أن تغیر المجتمعات و الأزمنة و الأمکنة، و الله تعالی هو مقدر هذه العقوبات لأنها تحمی ما استوجبت حکمته تعالی حمایته من مصالح أصلیة للناس،سواء أکانت تتمثل فی حمایة حق الأفراد أو حق الجماعات، لذا بینوا أرکان هذه الجرائم و شروطها و عقوباتها المقررة و کیفیة تنفیذها،مثلما بینوا العدید من الصور و الحالات التی تنطبق علیها هذه العقوبات.
الحالة الأولی:اجتماع الجرائم التی لیس فی عقوباتها إعدام النفس: للفقهاء فی معالجة هذا الموضوع اتجاهان: الأول:و یمثله جمهور الفقهاء:الحنفیة،و الشافعیة،و الحنابلة: و یرون أنه إذا اجتمعت علی شخص عدة جرائم مختلفة الأنواع و لیس فی عقوباتها إعدام للنفس فإنها تقام علیه جمیعا،سواء أکانت من حقوق العباد کالقصاص فیما دون النفس،أم مشوبة بحقهم کالقذف،أم من حقوق الله خالصة کحد الزنا لغیر المحصن،و شرب الخمر و السرقة.
46 و یندرج تحت هذا الأصل صور عدیدة منها: -إذا اجتمع القذف،و شرب الخمر،و الزنا بلا إحصان،و السرقة: یبدأ بحد القذف لأنه حق العباد من وجه و حق الله من وجه،و ماسواه حقوق الله علی الخلوص،فیقدم استیفاؤه،ثم تستوقی حقوق الله تعالی لأنه یمکن استیفاؤها و لیس فی إقامة شیء منها إسقاط البواقی،فلا تسقط."