ملخص الجهاز:
"و آخر ملاحظاتنا هو أننا توسعنا فی هذا الفصل المختص بالماء لأنه من جهة یعتبر شاهدا علی مدی تقدم علوم حفظ الصحة فی عهد ابن سینا و علی فضله خاصة،و من جهة أخری لأن مشکلة الماء لازالت فی عصر الرخاء و العلم و التکنلوجیا-لا زالت-تعتبر من أخطر المشاکل البشریة و الحضاریة و الصحیة؛یتشخص ذلک المشکل من الناحیة الکمیة فی المطالبة المتزایدة فی استهلاک المیاه لأغراض حیاتیة و حضاریة و اقتصادیة مختلفة،و من الناحیة المرضیة فی انتشار الأمراض الوبائیة المرتبطة بتعفن المیاه،مثل الحمیات الوبائیة،کالکولیرا و التفوئید و الإسهال و الدسنتیریا و البلهراسیا و الانکلستمیاز و الملاریا،و أنواع الدیدان و الطفیلیات الدقیقة.
لم یکن من الواضح عند ابن سینا أن الحیوانات قد تلعب دورا مهما فی نقل الأمراض و انتشار الأوبئة،و لکنه یلا حظ أن من جملة الظواهر التی تصحب بعض الأوبئة،تکاثر أنواع من الحیوانات و تصرفها غیر الطبیعی مثل الفیران و الجرذان:«و أما العلامات التی علی سبیل المقارنة للسبب؛فمثل أن تری الضفادع قد کثرت،و تری الحشرات المتولدة من العفونة قد کثرت،و مما یدل علی ذلک أن تری الفار و الحیوانات التی تسکن قعر الأرض تهرب طلی ظاهر الأرض سدرة مسمدرة45،و تری الحیوان الذکی الطبع مثل اللقلق و نحوه یهرب من عشه و یسافر عنه، و ربما ترک بیضه...
و کما أن الماء لا یعفن علی حال بساطته،بل لما یخالطه من أجسام أرضیة خبیثة تمتزج به و تحدث للجملد کیفیة ردیئة،کذلک الهواء لا یعفن علی حال بساطته،بل لما یخالطه من أبخرة ردیئة تمتزج به،و تحدث للجملة کیفیة ردیئة6» ثم یتابع ابن سینا محاولة التعرف عن الأسباب و العوامل:«و ربما کان ذلک لسبب ریاح ساقت إلی الموضع الجید أدخنة ردیئة من مواضع نائیة،فیها بطائح أجنة،أو أجسام متجیفةآ فی ملاحم أو وباء قتالة لم تدفن و لم تحرق."