ملخص الجهاز:
"و بعد ذلک نستطیع أن نعرف و بوضوح کل الأعراض الناتجة عن تلک الأسباب،و تتضح لنا الأمراض الفکریة و الاجتماعیة و السیاسیة التی و اکبت الانسانیة عبر مسیرتها التاریخیة لتفسرها تفسیرا موضوعیا و تقیمها تقییما دقیقا،فمثلا ان القومیة ظاهرة مرضیة خطیرة و نزعة قدیمة فی تاریخ الانسان،لا نستطیع أن نعالجها معالجة صحیحة إلا ضمن منهج متکامل نکتشف من خلاله انها تضیق نظرة الانسان و عقله،و تجمد مواهبه و تطلعاته،و تسد علیه منافذ التفکیر و الانفتاح علی الآخرین.
و الآن-و علی ضوء هذه النظرة القرآنیة و التصورات و المفاهیم الربانیة للإنسان و المجتمع و التاریخ-نرید أن نقف مع القومیة کظاهرة عرفتها المجتمعات البشریة و انسجمت معها لأنها تدغدغ عواطفها و تثیر فیها نزعات الشعور بالولاء و الحب للبیت و العشیرة أو للغة و التاریخ و التراب و الفن،حتی تطور الحال و تصاعد الأمر الی أن أصبحت نظریة فلسفیة و أطروحة اجتماعیة و سیاسیة ترید أن تسیر المجتمع علی أسس خاصة،و تنظم شؤون الحیاة بدوافع قومیة محضة تقیم الانسان من الزوایة القومیة التی تری أن الانسانیة دماء متعددة و أجناس متباینة و لا یمکنها أن تنصهر فی بودقة واحدة و لا أن تنسجم مع عقیدة توحیدیة ثابتة.
و أما ما نلاحظ فی تاریخنا المعاصر من کثرة الحرکات القومیة و الدعوات الانفصالیة التی زخر بها العصر الحدیث بعد سقوط الدولة العثمانیة،فإنما ذلک یرجع الی أسباب عالمیة و محلیة خاصة تلتقی کلها فی إطار اللعبة الدولیة التی ساهمت فی تسقیط الخلافة العثمانیة و تمزیق الأمة و فرض السیطرة علیها ونهب خیراتها بعد أن ضعفت عن الصمود و المقاومة بوجه الانهیار الداخلی و الغزو الخارجی حتی سقطت صریعة بأیدی المستکبرین من الشرق و الغرب،و بدأت مرحلة التبعیة و التقلید للغزاة فی الثقافة و السیاسیة و الاقتصاد و التربیة و التعلیم و حتی فی الحیاة العامة."