ملخص الجهاز:
"و نتج عن حضور مفهوم السرقة مقیاسا من مقاییس التلقی أن صار استحسان الشعر أو استهجانه متوقفا علی علاقة الشاعر بمن سبقه؛فالقاضی الجرجانی یعتبر السرق داء قدیما،و هو عند الآمدی باب لا یعری منه أحد من الشعراء إلا قلیلهم،و السرق عند ابن رشیق لا یسلم أحد منه،و سارق الشعر عند الصاحب بن عباد یصفع مثلما أن سارق المال یقطع،أما أبو تمام فیفتخر لخلو شعره من ظاهرة السرق و یقول عن أشعاره: منزهة عن السرق الموری مکرمة من المعنی المعاد و توجه النقد الأدبی القدیم بهذا التصور وجهة أخلاقیة،صار فیها الشاعر ضحیة التجریح و اللائمة بقدر ما لقرائه من کفاءة فی تحدید مکانته بین الشعراء،لا علی مستوی المعنی المعاد فقط،و لکن کذلک علی مستوی التشبیه الذی یشتم فیه بعض التقلید أو المناسبة لتشبیه سابق.
و ینطلق قدامة بن جعفر من هذا المقیاس الأخلاقی لیستحسن قول أبی صخر الهذلی فی النسیب: أما و الذی أبکی و أضحک و الذی أمات و أحیا و الذی أمره الأمر لقد کنت آتیها و فی النفس هجرها بتاتا لأخری الدهر ما طلع الفجر فما هو إلا أن أراها فجاءة فأبهت لا عرف لدی و لا نکر و أنسی الذی قد کنت فیه هجرتها کما قد تنسی لب شاربها الخمر29 إن قدامة بن جعفر یستعین بهذا التذوق المخصوص للشعر لیؤسس نمطیة فی التلقی یفرضها علی الشعراء حتی یحسبوا لها حسابهم خلال إبداعهم،و هذه النمطیة تسهم بلا شک فی تقویض جانب مهم من التراث الشعری بأن تحکم علیه بالخروج عن السبیل السوی، فمن ذلک أن الوصف الجسدی للمرأة قبیح بالنسب، و وصف الممدوح بکثرة المال أو طلاقة المحیا لا یزید من صفاته شیئا،و وصف قبة بأنها مطلیة بالذهب أو الفضة غیر مضیف لجمالها قدرا،و کذلک یبقی الهجاء بقبح الوجه أو ضآلة الجسم أو انعدام النسب شکلا من أشکال التهکم العارض."