ملخص الجهاز:
"لذلک کانت الاجابة الثانیة علی السؤال السابق هی أنه یمکن الاخذ بأحسن ما أنجزته الثقافة الغربیة المعاصرة مع الابقاء علی أحسن ما أبدعه السلف أی أن الخطوة التی سعت الی تحقیقها فئة أخری من المثقفین العرب فی القرن الماضی، و بدایة هذا القرن هی التوفیق بین التراث العربی الاسلامی و منجزات الحضارة الغربیة-و لم تکن هذه الفئة لاصلاحیة المتحررة فی جوهرها أکثر من نزعة محافظة فی اطار المحافظ،و لکنها مسلحة بادراک عقلی لوضعها-و لمقتضیات العلاقة مع الغرب-و لذلک فتحت الباب أمام اقتباس فکر الغرب و شرعت للاستفادة من علومه و معارفه و ادارته و نظمه و مؤسساته و هذا ما عکسته لنا کتابات خیر الدین التونسی و رفاعة الطهطاوی و للاقناع بهذا الموقف فقد سعی هؤلاء المثقفون الی التوفیق بین الموروث و المقتبس و ازالة التعارض الظاهر بین ما یدعون الی اقتباسه من الغرب و بین أسس الثقافة العربیة الاسلامیة ببیان أن ما یدعون الی اقتباسه قد تضمنه التراث العربی الاسلامی فی أشکال و تحت مصطلحات أخری،و من هذا المنطق التوفیقی جعلوا الشوری مقابل الدیمقراطیة و أهل الحل و العقد مقابل التمثیل النیابی و البرلمانی.
رؤیة طه حسین لعلاقة الثقافة العربیة بالثقافة الغربیة و قد تفرعت عن هذا البحث قضایا فکریة عدیدة أهمها اعتبار التراث انسانی و قد انتبه الدکتور طه حسین فی مقاربته لهذه القضایا الی أهمیة الثقافة الاوربیة المعاصرة-و لکنه تفرد بنظرة خاصة الی الثقافة،فقد رأی أن مصر أقرب الی أوربا منها الی آسیا-و قد ترتب عن هذه الرؤیة فکرتان رئیسیتان: 1-الاولی أن مصر بتاریخها الحضاری العریق تشکل وحدة قومیة تربطها مع العرب رابطة روحیة عمیقة-و لکنها تتفرد بجملة مشخصات«و بعد فمشخصات مصر واضحة بینة،یشخصها اقلیمها الجغرافی الذی تعیش فیه، و یشخصها دینها و هل ندعو الی أن تفنی مصر فی أوربا اذا دعوناها الی أن تحتفظ بهذا الدین و تلائم بینه و بین مقتضیات الحیاة،و تشخصها لغتها العربیة و تراثها الفنی و الادبی ثم یشخصها تاریخها الطویل العظیم»4."