ملخص الجهاز:
"لقد کان الطباطبائی عالما حرا فی تفکیره وباحثا محققا، یکتب مجیبا عن أحد الإشکالات: (إن حسن الظن بالعلماء واحترام شخصیتهم الدینیة أمر، واتباع نظریاتهم العلمیة وأفکارهم العقلیة شیء آخر، فمثل هذه المسائل لا تقبل التقلید، حتی کلما وصلنا إلی مسألة ما حملت مخالفة العلماء مثل قمیص عثمان، لیتم تجییش مجموعة من البسطاء ضده، کما أن نسبة المخالفة إلی علماء الإسلام قصة طویلة واضطراب من نوع آخر، ذلک أن علماء الفقه والأصول وغیرهما لا یبحثون فی أصول المعارف والعقائد، والمتکلمون وحدهم هم من یعمل علی هذه الموضوعات، ویخالفون فی الوقت عینه الفلسفة، کما وهناک أیضا متکلمون لیسوا من ذوی الفنین، فهم لیسوا مثل الخواجة نصیر الدین الطوسی والعلامة الحلی من أهل التصنیف فی العلمین، وعلیه یصبح معنی مخالفة الفلاسفة لعلماء الإسلام هو أن عددا من العلماء اختلفوا مع عدد آخر فی منهج التعامل مع سلسلة من الموضوعات والنظریات العقلیة، فما هی ضرورة وما هو وجه هذه الفوضی والغوغاء هنا؟!(( 263 ) ویری العلامة الطباطبائی أن الاشتغال بالعلوم العقلیة کان بغیة تدعیم وترسیخ الأسس الدینیة للإسلام، وتحقیق الأهداف الدینیة( 264 )، ففلسفة الیونان عنده رغم أنها کانت ــ فی بدو أمرها ــ لسد أبواب أهل البیت (، إلا أن هذا الهدف غیر المبرر للحکومات القائمة آنذاک وسوء استفادتها من الترجمات وإشاعة الأدب هل یجعلنا فی غنی عن مباحث الإلهیات؟ وهل یستدعی ذلک تجنب الاشتغال بهذه المسائل؟ إن مباحث الإلهیات تمثل مجموعة من الأبحاث العقلیة المحضة التی تقع نتیجتها فی صراط إثبات الصانع والبرهنة علی واجب الوجود، والوحدانیة، وسائر الصفات الکمالیة له، کما ولوازم وجوده من النبوة والمعاد، وهذه هی المسائل المسماة بأصول الدین والتی یلزم إثباتها ــ بدایة ــ عن طریق العقل؛ حتی یتوفر بذلک إثبات حجیة تفاصیل الکتاب والسنة، وإلا فإن الاستدلال والاحتجاج لإثبات حجیة الکتاب والسنة بعین الکتاب والسنة احتجاج دوری وباطل، بل حتی المسائل المعدة من أصول الدین مثل وجود الله، ووحدانیته، وربوبیته مما جاء فی الکتاب والسنة إنما تثبت عبر سبیل العقل والاستدلال العقلی.."