ملخص الجهاز:
"(1)«و إذا کان هذا الفهم للتعارض بین القیاس و الاستحسان ینطلق من موقف أیدیولوجی واضح فإن هذا الموقف یعکس رؤیة للعالم و الإنسان تجعل الإنسان مغلولا دائما بمجموعة من الثوابت التی إذا فارقها حکم علی نفسه بالخروج من الإنسانیة و لیست هذه الرؤیة للإنسان و العالم معزولة تماما عن مفهوم الحاکمیة فی الخطاب الدینی السلفی المعاصر حیث ینظر لعلاقة الله بالإنسان و العالم من منظور علاقة السید بالعبد الذی لا یتوقع منه سوی الإذعان...
و الآن:هل ینطلق الیسار الدینی و الیمین الدینی من نفس الثوابت المعرفیة التی تطرحها النصوص الدینیة؟هل تسیطر علیه آلیات الخطاب السلفی؟الحقیقة أن هذا التساؤل یضع الفکر الدینی کله فی سلة واحدة لا فرق بین یساره و یمینه بالرغم من التمایز بینهما و انقلاب بعض ممثلیه الذین کانوا یسارا علمانیا من قبل إلی یسار دینی ثم انقلابهم بعد ذلک إلی یمین دینی علی الأقل علی مستوی النظر.
فالمقروء القدیم یقوم علی منطق قانونی تنفیذا للأوامر المقدسة و علی منطق أسطوری یجعل الاقتصاد مرهونا بإرادة خارجیة مطلقة و لیس بقوانین العرض و الطلب،و تقوم القراءة الجدیدة علی فرضیات ثلاث:الأولی أن النص القدیم یعبر عن مرحلة المجتمعات السابقة للرأسمالیة،و الثانیة أن هذه المجتمعات شرقیة متدینة لا غربیة علمانیة،و الثالثة أن الزمن المقروء یعکس الواقع القدیم و یتفاعل معه دون أن یکون انعکاسا آلیا له، و یصنف أبو یوسف ضمن المدرسة المثالیة فی الاقتصاد التی تعطی الألویة للعوامل غیر الاقتصادیة مثل بعض العناصر الطبیعیة کالماء و الأرض أو بعض العوامل المجهولة مثل تحدید السعر أو لبعض العوامل التاریخیة العامة مثل انتصارات العرب أو للسلطة السیاسیة صاحبة الأمر و النهی فی المسار الاقتصادی بالرغم من نفور أبی حنیفة من العمل فی مؤسسات الخلفاء و بلاط السلاطین."