ملخص الجهاز:
"ویبقی من أهم الإشکالات المطروحة فی مجال بحث دلالة الاستقراء التام ومنهجه العلمی فی علوم الشریعة عند الأصولیین هو مفهوم التمام أو الکلیة المنسوبة إلی الاستقراء فی تلک الأبواب الشرعیة؛ إذ کیف یتصور تتبع وتصفح کل الجزئیات والفروع المندرجة تحت ذلک الحکم من دون استثناء، ومن دون نقص أو تقیید، وخاصة إذا علمنا تعذر ذلک علی کل تقدیر فی مجال العلوم الإنسانیة؟ وهذا ما جعل البعض یتساءل عن الأساس الذی یعتمد علیه فی الانتقال من الجزئی إلی الکلی، أی من الحوادث المشاهدة إلی غیر المشاهدة، معتبرا أن طرق الاستقراء لا تجیز هذا التمام والتعمیم، «بل یبرهن علی صدق الفرضیة بالنسبة إلی الحقائق المشاهدة لا غیر»( 74 )؛ لکن البعض الآخر یحدد دراسة عملیة الاستقراء فی مسألتین: «الأولی: مسألة المبدأ أو البادئ التی تقوم علیها فکرة المنهج التجریبی نفسه؛ وثانیا: مسألة الضمان الذی یضمن لنا الانتقال من الحالات الجزئیة المشاهدة إلی وضع القانون العام»( 75 ).
تعلیل قطعیة الاستقراء الناقص یتبین مما سبق أن استقراء الفروع والجزئیات غیر المکتمل، الذی تـنقصه أفراد معینة تحول دون اکتماله وتمامه، إما من جهة عدم إلحاق الاستقراء بها، أو من جهة تخلفها عن مقتضی الکلیة الخاصة، یفید الظن الغالب المعتبر فی الشریعة اعتبار العام القطعی، فکیف یسوغ الأصولیون مذهبهم فی القطع به؟ وما هو تعلیلهم فی ذلک؟ فالشاطبی مثلا، لما استفرغ وسعه فی إثبات الکلیات الثلاث: الضروریات؛ والحاجیات؛ والتحسینیات، واعتبارها من القضایا القطعیة التی شرعت لمصالح العباد، اعترضته فی بحثه الاستدلالی بعض الجزئیات التی قد تقدح أو تخرم ما وصل إلیه من نتائج قطعیة، لکنه لم یعتبر ذلک مشکلا إلی الحد الذی یزیل عن استدلاله الاستقرائی فی جانبه الناقص دلالته العلمیة بالقصد الأول، ویرفع عن الکلیات الاستقرائیة قطعیتها بالتبع."