ملخص الجهاز:
"عودة إلی جذور تشکیل صورة الشرق والإسلام فی العقل الغربی منذ سقوط غرناطة عام (1492 م) واکتشاف أمریکا فی نفس العام استطاع الغرب الأوروبی أن یتجاوز حدوده ، ویمتد نحو مناطق نفوذ خارج کیانه الحضاری ، مخترقا مجتمعات أخری لم تزل تعیش حیاتها وتواصل تجاربها الزمنیة فی إطار تاریخها وتراثها الخاص ، الذی کان یتقاطع بشکل واضح مع النسق الحضاری لمسار التاریخ الأوروبی.
لقد أضحی کل ما هو خارج المرکز الغرب فی تصور الإنسان الغربی منطقة قضاء حضاری ، وثقافی ، ومعرفی ؛ ولأجل ذلک لابد أن یقوم هذا الإنسان بمهمته التمدینیة فی الأطراف ، بل ینبغی له أن یسحق کل مظهر للمقاومة یمکن أن ینبعث فی الأطراف ، ویحول دون إنجازه لمهمته ، وهذا ما تؤکده مقالة نشرت فی إحدی صحف بوردو سنة (1846 م) حول الموقف من الأهالی الوطنیین فی الجزائر ، والکیفیة التی یجب أن یعامل بها البدوی الجزائری : (إن البدوی هو : الهندی الأحمر فی أفریقیا ، ویجب تهیئة نفس المصیر الذی آل إلیه الهندی الأحمر أثناء عملیة استعمار الرواد لأمریکا.
ولم تکن تلک الممارسة هی الأخیرة التی یقوم فیها الإنسان الغربی باسترقاق مباشر لمجتمعات بأسرها ، وإنما تکررت هذه الممارسة بشکل آخر حین أقدمت أوروبا ـ منضمة لها الولایات المتحدة الأمریکیة هذه المرة ـ علی استلحقاق أعداد غفیرة من العمال ببلادها ، عندما قامت بترحیل أعداد کبیرة من الصینیین واستغلالهم لبناء بنم فی نهایة القرن التاسع عشر ، وهکذا فعلت فرنسا الشیء نفسه فی بدایة القرن العشرین مع المسلمین، حیث جلبت العمال من البلاد الإسلامیة فی شمال أفریقیا للعمل فی مناجمها (6)."