Abstract:
تُشكِّل هذه المقالة محاولةً تأسيسيَّةً لدراسةٍ موسَّعةٍ في إطار الأدب المقارن بين غوته وحافظٍ. بدأناها بنقدٍ لأهمِّ المصادرِ والمراجِعِ التي استندنا إليها، ثمَّ أوجزنا سيرة الأديبينِ الذَّاتيَّة والأدبيَّة، وأَهَمَّ المؤثِّرات المشتركة في حياتيهما وثقافتيهما، وختمنا بعَرْضِ المواضِيع المشتركة بين الأديبين وفاقًا لتصنيفٍ موضوعاتيٍّ عامّ. لقد رأينا تأثُّرَ غوته بحافظٍ شكلًا ومضمونًا، تجلَّى في مشتركاتٍ كثيرةٍ في التَّسميات، والمواضيع، والأفكار كمًّا ونوعًا؛ وبهذا نستطيع تكوين فكرةٍ عن التَّأثُّر الكبير الذي تركه حافظٌ في عقلِ غوته وأدبه وأسلوبه في سياق تأثُّره بالشَّرق وآدابه وحضاراته عمومًا على الرَّغم من تأخُّر الأخير في تَّعرُّفه إذ كان قد بلغ من العمر عِتِيًّا. إنَّها دليلٌ على جمال مسار الأدب الكونيّ المقرِّبِ بين الشُّعوب والثَّقافات.
Machine summary:
وقد هيمن شِعْرُهُ على العراق وفارسَ، وطارت أبياتُهُ في الهند وكشميرَ في أثناء حياته (ص13)، ثمَّ انتشرت ووصلَ وهج تأثيرها إلى أوروبَّا، فتُرْجِمَتْ بلُغاتِها، ووجدها غوته في مَنْ وجدها، وأبدى إعجابه الكبير بالجانب الحسِّيّ المتفائل والإيجابيّ المفعم بالحياة فيها (غوته، لاتا، ص47،51).
فَوَهْجُ تأثيرِهِ غَرْبًا لم "يدانيه فيه إلَّا الخيَّام" من شُعَراءِ الشَّرق (غوته، لاتا، ص38)، وكانت أَشِعَّةُ تأثيرِهِ أكثرَ قُوَّةً في غوته الَّذي كان قد تَعَرَّفَ ديوانَه من طريق ترجمة المستشرقِ النَّمساويِّ ڤون هامّر (Joseph von Hammer-Purgstall, 1812/1813)، و"استلهم منه أشعاره" المشرقيَّة، وسَبَّبَ باعثًا له إلى عِشقِ حافِظٍ، ومن ثمَّ كتابة ديوانه الشَّهير (مومزن، 1995، ص50، 66، 182 وغوته، لاتا، ص7-8).
لقد تأثَّر غوته بأشعار حافِظٍ، من حيث المعنى والصُّور، ولكنَّه لم يقلِّده في الأوزان (مومزِن، ص162)، وقد شكَّل تعرُّفه إليه ونظمه أشعارًا على طريقته، واضطرابات العصر الفاسد باعثًا له إلى كتابة (الدِّيوان) في تماثلٍ وتجربة حافظٍ كذلك (م.
وحثَّ كلاهما على أخذ الحكمة من أهلها؛ قال حافظٌ: "صادِق رجال الله"، وقال غوته: "خذ الحكمة من الحكماء"، و"كن مع العارفين" (الشَّواربي، الدِّيوان، ص10؛ غوته، لاتا، ص147، 154)، واتَّفقا في أنَّ واجبَ الحكماء والرَّاسخين في العلم تعليمُ النَّاس لإزالة شكوكهم (م.
وقد مدح غوته سلوك الزُّهدِ في الحياة وجمع بينه وبين الإقبال على الدُّنيا (غوته، لاتا، ص92-93)، واقترب حافظٌ منه في موضوع التَّواضِع: "عندما تكبر لا تهتمّ بالشُّهرة" (الشَّواربي، 1999، ص8).
أؤكِّد على رمزيَّة الحبيب الحقيقيّ عند حافِظٍ الموصلةِ إلى الله تعالى، ويبدو أنَّ غوته حاول الاقتراب من المفهوم الرّمزيّ والصُّوفيّ للحبيب؛ فها هو يرى الحبيبة في كلّ جمال (غوته، لاتا، ص265-266) بل يراها في أسماء الله حين النُّطقِ بها (ص266)...