چکیده:
يمثل القرآن الکريم أساسا لکل مظاهر الحياة العقليـة والبشـرية المتطـورة الناشـدة للغايـات السامية والقويمة ، ذات الأهداف النبيلة الساعية إلي منح الفـرص المتسـاوية لزهـو الشـعوب واستقلالها في کل المجالات دائما وأبدا. ولذلک فقد کانت آياته المبارکة بمثابة براهين خالـدة عظيمة أولت تصوير تلک المظاهر من خلالهـا بـأبلغ الکلمـات والعبـارات وبـأعمق المعـاني والدلالات التي تسطرت تباعا علي صدرسيد الکائنات محمد عليه وآله أفضل الصلاة والسلام . ومن هنا صارت آيات القرآن الکريم موضع اهتمام الأدباء کما العلماء، في إظهار رقـة وجمالية الأساليب القرآنية التي کسـبت القلـوب وأجبرتهـا علـي الاسـتماع والإنصـات ، والخشوع عند ترديدها فيما بعد. ما يعني أن أسلوب القرآن الکريم البلاغي ، کان لـه الأثـر العميق في إرساء دور الآيات القرآنية في التبليغ والدعوة ، جراء الأسـلوب المعجـز الـذي تميزت به هذه الآيات والذي نطلق عليه «السجع ». لذا، سنحاول في هذه المقالة أن نقدم دراسة وافية حول هذا الأسلوب الأدبي والجمالي الذي تميز به القرآن .
خلاصه ماشینی:
"إن السجع فی الأسـلوب القرآنی أفضل مثال یحتذی به ، إذ لم یعتمد القرآن الکریم السجعة من أجل أن یـؤثر مـن خلالهـا علی نفوس البشر، أو من وراء التعبیر عن المعنی المقصود، بل کانت السجعة فی آیاته مستقرة فـی قرارها، مطمئنة فی موضعها، غیر قلقة ولا نافرة ، یتعلق معناها بمعنی الآیة الکریمة کلها، تعلقا تاما.
السجع یعکس الطلاقة الأدبیة ، فهذه الطلاقة هی التی تعکس تنوعا عجیبا فی إیقـاع القـرآن ، وهذا التنوع یختلف فی السور بالقیاس إلی الأسجاع القصیرة والطویلة والمتوسطة ، وبتنوعها فـی أحرف الروی ، وهو أشبه باختلاف بحور الشعر فی الدیوان الواحد (سید قطب ، ١٩٥٦: ٩٠-٩١)، فمن المواضع التی نلاحظ فیها هذا التنوع ما جاء فی سورة «مریم »: فالسورة تبدأ بقصة «زکریا» و «یحیی » وتلیها قصة «مریم » و «عیسی » وتسیر الفقرات هکذا: «ذکر رحمة ربک عبده زکریا، إذ نادی ربه نداء خفیا، قال : رب إنی وهن العظم منی واشتعل الرأس شیبا ولم أکن بدعائک رب شقیا» (مریم : ٢-٤).
ـ حذف المفعول ، نحو: «والضحی ، واللیل إذا سجی ، ما ودعک ربک وما قلی » (الضـحی : ١، ٢، ٣) حذف المفعول هنا إذ کان الأصل فیه «قلاک » لمراعاة الأسجاع ، مع دلالة السـیاق علیـه ، فتقتضیه حساسیة مرهفة ، بالغة الدقة واللطف ، فیتحاشی خطابه تعالی ورسوله بصریح القول «وما قلاک »، لما فی القلی من حس الطرد والإبعاد وشدة البغض ، فالقرآن لا یریـد أن یمـس خـاطر آفاق الحضارة الاسلامیة ، السنة الرابعة عشرة ، العدد الثانی ، الخریف و الشتاء ١٤٣٣ هـ."