چکیده:
يعد التناص من أبرز التقينات الفنية التي إهتم بها دارسو الأدب الحديث . مفهوم التنـاص يدل علي ظاهرة تفاعل النصوص فيما بينها، فالنص تتداخل فيه عدة نصـوص أخـري يقوم من خلالها ويتعامل معها. و قد تنبه نقاد العرب القدماء إلي مفهوم التناص و لکـنهم طرحوا هذا المفهوم بتسميات أخري کالسرقة الأدبية و الإقتباس و التضـمين . قـد کـان القرآن الکريم بما فيها من المعاني السامية والمضامين الراقية والظواهر البلاغية الجميلـة مطمع الکتاب والشعراء من عصر التنزيل حتي عصرنا الحالي . علي أحمد باکثير بوصـفه کاتب ملتزم ، بذل قصاري جهوده طوال حياته القيمة لإرساء الفکر الإسلامي الجليل في المجتمع و في هذا المجال استخدم موضـوعات عديـدة ، منهـا الموضـوع الأسـطوري الإغريقي مأساة أوديب الذي صبغه بصبغة إسلامية مستلهما من القرآن الکـريم ومعانيـه السامية الرفيعة . يحاول هذا المقال من خلال المنهج الوصفي ـ التحليلـي تبيـين وجـوه إستخدام باکثير للتناص القرآني بنوعيها اللفظي (الظاهر) و المعنوي (الخفاء)، لإلقاء الفکر الإسلامي علي المسرحية و تقريبها إلي الثقافة الدينية الإسلامية والعربية . و يشاهد بـأن الکاتب استطاع أن يعطي المسرحية الصبغة الإسلامية ، و فـي نفـس الوقـت حـاول أن يجعل الأدب الإسلامي بصورة عامة وأدبه بصورة خاصة ، أدبا عالميـا بواسـطة اختيـار موضوع مأساة أوديب الذي بات موضوعا معروفا في عالم الأدب .
خلاصه ماشینی:
"فاستخدم باکثیر الآیة القرآنیة بطریقة تناص الإمتصاص للإشـارة إلـی الحالـة التـی یعیشـها أودیب بصعوباتها وآلامها المضنیة کما کان یعیش المسلمین فی فترة صدر الإسلام و واساهم الله ألا تقنطوا من رحمة الله لأن الیسر والإنفتاح سیأتیان بعد هذا العسر، و لکن هناک بون شاسع بین حالة أودیب والمسلمین ، لأن أودیب لن یری الیسر أبدا بسبب الأخطاء والجرائم التی ارتکبهـا، و هذه الجملة لترزیاس مجرد مواساة ولن یتحقق الیسر والسرور لأودیب .
و لکـن ترزیاس الذی هو الناطق بالفکرة الإسلامیة لباکثیر فی هذه المسرحیة ، یرفض هذا الرأی ویعتقـد أن الإنسان عاقل ومختار فیما یفعل من خیر أو شر، وأن الله أعطی الإنسان هاتین القدرتین (العقل آفاق الحضارة الاسلامیة ، السنة الخامسة عشرة ، العدد الثانی ، الخریف و الشتاء ١٤٣٤ هـ .
و بعدما یحاول أودیب أن یدافع عن نفسه ویبرر الجریمة التی ارتکبها بالذرائع الخاویة ، یؤنبه ترزیاس بسبب تساهله فی الزواج مع امراة لایعرفها معرفة دقیقة و قد اخبر سابقا بأنه سیقتل أباه و یتزوج أمه ، فیوجه الذنب إلیه ویتهمه بعدم استخدام العقل فی هذا الحادث وبتبعیة هوی النفس آفاق الحضارة الاسلامیة ، السنة الخامسة عشرة ، العدد الثانی ، الخریف و الشتاء ١٤٣٤ هـ .
إستخدم باکثیر هذه الآیة بطریقة تناص الإمتصاص لأن هناک فرق کبیر بـین سـیاق السـورة والنص المسرحی ، فیوسف لم یقترف ذنبا وقال هذا الکلام إحتراسا من الوقوع فی الغرور وإظهـارا للخشوع والتواضع أمام الله تعالی و لکن فی النص المسرحی یخاطب ترزیاس بهذه الجملة أودیب الذی ارتکب الجریمة الکبری فیؤنبه ویؤاخذه علی ما فعل ."