چکیده:
يعتبر شيخ الإشراق أول من أدلي برأي حول عالم المثال في الحضارة الإسلامية . فقد أثر موقفه المهم في کتابه حکمة الإشراق وسائر أعماله تأثيرا بالغا في درجات العالم في الحکمة الإسلامية خاصة في «الحضرات الخمس » لإبن عربي وما هذا الموقف إلا إثبات عالم وسيط بين عالم الأنوار وعالم المادة کبرزخ بين الدنيا والآخرة (أو کبرزخ بين عالم المثال وعالم المادة أو بين الصور والأشباح والموجودات المادية المشهودة ) توسعت وظيفة الخيال في الحکمة الإشراقية عند شرح عالم المثال الذي اعتبره فارابي کعامل لتبيين الوحي والنبوة وشرحه ابن سينا في الشفا شرحا وافيا واعتبر رمزا لإنعکاس الصور الخيالية في الساحة البرزخية کقوة من قوي النفس الباطنية . انطلاقا من هذا واستنادا إلي الآيات القرآنية کهذه الآية : «فتمثل لها بشرا سويا» وما جري في تمثل جبرئيل لدحية الکلبي علي النبي الأکرم (ص )، صار عالم المثال کخزينة للصور المثالية التي تظهر لخيال الإنسان ، خاصة بالنظر إلي النقطة الدقيقة التي أشار إليها شيخ الإشراق في تفسير أصل «کن » حيث يري السالک قادرا علي خلق هذه الصور. يتناول هذا المقال قوة الخيال ووظيفتها، معتبرا إياها بعدا معرفيا للخيال ، أدي إلي ظهور مصطلحات کالخيال المنفصل والخيال المتصل ، ثم يتناول عالم الخيال (عالم المثال ) ودور هذه الآراء في تبني أول الآراء الحکمية وأهمها في مجال الفن والمعماري الإسلامي .
خلاصه ماشینی:
"فی الحقیقة مع تفشی قبـول رأی أرسـطو (أرسـطو، ١٤٠۸) رفـع الحکمـاء المسلمون الصور الخیالیة من مجال النوم واعتبروها ظهورا معقولا فی قوة الخیال فی عالم النفوس الفلکیة (← الفارابی ، ١۹۹٥، ابن سینا، ١٣٧۹: المقالة الرابعة ، الحواس الباطنیة ضـمن بحـث علـم النفس ) ومهدوا الارضیة لتنظیر لامثیل له ، من جانب حکیم کبیر کشیخ الإشراق حتی اسـتطاع أن یربط بین البعد المعرفی للخیال ومعرفة الکون ، اعتمادا علی نظامه الفلسفی وأدخـل فـی المباحـث الحکمیة ، مفهوم «العالم الرابع »١ و «الفردوس الشمالی » الذی یقال له فی الإسلام «سـوق الجنـة » (بهائی لاهیجی ، ١٣٥١: ١٣٣) أو «عالم الذر» (مکارم شیرازی ، ١٣٥٦: ٧/ ١٣-۲١) وعلـی هـذا فتح طریقا للإجابة علی سؤال شغل بال کثیر مـن المتفکـرین وذلـک : هـل ینحصـر الکـون فـی الموجودات المحسوسة کأشیاء طبیعیة فقط ، أو توجد عوالم أخری وراء هـذا العـالم المحسـوس ؟ ومن ثم أثبت الخیال کمرتبة من مراتب العالم فی قـوس النـزول أی عالمـا حقیقیـا وخارجیـا ذا خصائص فریدة وثمرة من ثمرات تفکیره الفلسفی باستخدام طرق متنوعة .
بینما أن الفصـل بـین حقلی المعرفة ومعرفة الکون فی ساحة الخیال ، من مفاتیح فهم الإبداع الفنی وکذلک فی حکمة السهروردی تصبح قوة الخیال کمرآة لإنعکاس الصور الموجودة فی مرتبة من مراتب العالم فـی القوس النزولی ، وتظهر هذه المرآة کأصل للحب والنزعة إلی خلق الجمال والفنون التی تـنعکس سلطة نفس الفنان الجمیلة علی مراتب الکون .
إن نعتبر الأقوال السابقة مقدمة ، فنستطیع أن نضیف التقدیس إلی الفن قائلا إن الفـن الإشـراقی ینبع من عالم المثال والعلوی ویتجلی فی هذا العالم الأسفل ویبرز بأشکال متنوعـة علـی أسـاس آفاق الحضارة الاسلامیة ، السنة الخامسة عشرة ، العدد الثانی ، الخریف و الشتاء ١٤٣٤ هـ."