چکیده:
رسالة الغفران هي الرسالة التي ألفها أبو العلاء المعري رائد التراث العربي ـ الإسلامي في القرن الرابع و الخامس ردا علي الرسالة کتبها اليه علي بن منصور الحلبي ، وقد وضع لها مقدمة طويلة جدا استلهم فيها من قصة المعراج والقرآن الکريم فأنشأ بوحي منهما رحلة خيالية ، رحلة إلـي الجنـة والنـار، وهـو يحشـد نصـها بالآيـات والأشـعار والأخبـار والمناقشات اللغوية والنحوية ليستمد منها في الوصف أو الحوار أو تبيـين الشخصـية أو سرد الواقع ، ويبرز کل هذه العناصر في إطار وحدات مکانية ينتقل من واحدة منها الـي أخري مسلطا الضوء علي أوصافها و ملامحها؛ ومن هنا ندرس في هذا المقـال صـورة المکان الذي يرسمه الکاتب بريشته في کل مرحلة من هذه الرحلة ، ونري کم استمد من القرآن والتراث في تشکيلة بنية المکان وکم اعتمد علي قدرة خياله في وصف فضاءاته و تجسيد وحداته ، وما هو أسلوبه في ترسيم المساحات المکانية المتخيلة .
خلاصه ماشینی:
"أما القسم الأول الذی أشرنا الیه بإیجاز فهو یکون محور بحثنا، وکما رأینا روی المعری فیه رحلته الخیالیة علی لسان ابن القارح ، وقد تصوره فی العالم الآخر و هو مـن أصـحاب الجنـة النائلین الی الشفاعة و جعل مسرح أحداث قصته الجنة و المحشر و الجحیم فسیره «بین الأبعاد والساحات الثلاث من بدایة الرحلة الی نهایتها إن کانت لها نهایة » (محمود، ١٩٩٦: ٥٧)، فیظهر لنا بطل القصة منذ البدایة فی الجنة ، و له فیها أشجار وارفة الظلال ، ثم یمضی فیستمتع بالأنهـار و الکؤوس و الأباریق و الحوریات ، و یلتقی ببعض الشعراء و اللغویین ثم یسـترجع الأحـداث التی وقعت له فی موقف الحشر ثم یلتقی مرة أخری بالشـعراء ویحـاورهم ویقـیم لهـم مأدبـة ، فیأکل معهم و یشرب ، و یعقد مجلس طرب ، ثم یری الحور العین ، و تخـرج لـه إحـداهن مـن ثمرة من ثمار الجنة ، و یتجه الی مساکن الجن ، و یلتقی بطائفة من الجن فیسألهم عـن الأشـعار التی تنسب الیهم فی العربیة ، ثم یواصل سیره حتی یصل الی أقصی الجنـة ، فیلتقـی بالحطیئـة و الخنساء «وهی تنظر الی أخیها صخر فی الجحیم ، وینظر کما تنظر الخنساء فیجد إبلیس وبشارا وبعض شعراء الجاهلیة ویحاورهم جمیعا ثم یعود فیلتقی ببعض الحیات التی ظلمت فـی الـدنیا ثم کوفئت فی الآخرة بدخول الفردوس ، ویمر فی جنة الرجاز وأخیرا یقبـل علـی کـأس مـن کؤوس الجنه التی لا تنزف عقلا» (ضیف ، ١٩٤٦: ٢٧٦)."