خلاصه ماشینی:
"إن التأسیس یؤصل مشروعیة الاجتهاد الإنسانی داخل النص القرآنی, ویؤسس مشروعیة التأویل الذی یخضع للمحکم, فالعلاقة بین النص القرآنی والتأویل علاقة (المادة الفکریة المنصوصة المستوحاة بمفاتیح الإفادة منه) ومتی ما ضبط التأویل بمنهج أصولی, وأطر للحرکة (المحکم) فلا یتصور بینهما التعاکس والتضاد, إنما یتصور فی علاقة التأویل بثقافة النص أی العلاقة (بالفکر الاجتهادی المنتزع من النص) لاحتمال تأثره بالأوضاع العقلیة والمادیة ومضادته للمعطیات العقلیة البرهانیة، وإذا کان النص لا یسایر الزمن إلا بالتأویل المحکوم بمنهــج وإطار وحیث لابد من التأویل, فإن تعدد التأویلات والاجتهادات من النص تعدد طبیعی ومشروع إن لم نقل ضرورة حتمیة للإفادة من النص وعلی هذا الأساس فإن القاعدة الکبری التی تنتزع منه تتمثل بالأمور التالیة: مشروعیة ظاهرة تعدد التفاسیر, ومشروعیة ظاهرة المدارس الفکریة الإسلامیة المتعددة( 22 ) إلا أن المسار الفعلی ـ لهذا الإطار النظری لفلسفة التأویل لم یجر جریانه الطبیعی, فلقد کان المشهد الثقافی والعقلی وحاجات البیئة العربیة لفترة من النزول حتی القرن الأول تکفیه النظرة المباشرة للنص( 23 ) فقد غمرت الحیاة العربیة بالنص, ولم یکن فیها ثقافات سابقة فکان هذا السبب إلی جنب أسباب أخری تقف أمام التأویل کعملیة تطویریة لفهم النص, ومن ذلک سیادة منهج التفسیر بالمأثور وتضییق النطاق علی التفسیر العقلی للقرآن, ثم شیوع النزعة الظاهریة فی الفقه, وشیوع الظاهریة فی علم الکلام التی تمثلت بالتجسید ( المشبهة) بید أن عددا من العلماء أفادوا بأن التأویل ومعالجة النص القرآنی معالجة عقلیة، إنما فرضت نفسها علی ذلک الواقع بسبب احتکاک ثقافة القرآن بالثقافات الأخری سواء ببقاء الاعتقادات السابقة عند من أسلم من أهل الکتاب, فانتقلت إشکالیتهم معهم إلی الثقافة الجدیدة أو کون أهل الکتاب ممن بقی علی دینه وهو یدفع الجزیة یمارس الحوار مع الفکر الجدید( 24 )."