خلاصه ماشینی:
"وفی الحدیث الذی رواه أبو داود یأتی قول الرسول صلی الله علیه وسلم : « إن ربی زوی لی الأرض ؛ فرأیت مشارقها ومغاربها ، وإن ملک أمتی سیبلغ ما زوی لی منها ، وأعطیت الکنز الأحمر والأبیض ، وإنی سألت ربی لأمتی أن لا یهلکها بسنة عامة ، ولا یسلط علیهم عدوا من سوی أنفسهم فیستبیح بیضتهم - جماعتهم - وإن ربی قال لی : یا محمد ، إنی إذا قضیت قضاء فإنه لا یرد ، ولا أهلکهم بسنة عامة ، ولا أسلط علیهم عدوا من سوی أنفسهم فیستبیح بیضتهم ولو اجتمع علیهم من بین أقطارها - أو قال : بأقطارها - حتی یکون بعضهم یهلک بعضا ، وحتی یکون بعضهم یسبی بعضا ، وإنما أخاف علی أمتی الأئمة المضلین ، وإذا وضع السیف فی أمتی لم یرفع عنها إلی یوم القیامة ، ولا تقوم الساعة حتی تلحق قبائل من أمتی بالمشرکین ، وحتی تعبد قبائل من أمتی الأوثان ، وإنه سیکون فی أمتی__________(1) سنن أبو داود رواه الإمام أحمد فی ( باقی مسند المکثرین ) برقم ( 14483 ) ، ومسلم فی ( المساجد ومواضع الصلاة ) برقم ( 874 ) .
وهذه هی قیم ( الوهن ) التی یدفع إلیها هذا الوضع المزری ، وتدفع إلیها غریزة « حب الدنیا وکراهیة الموت » (1) کما ورد فی حدیث رسول الله صلی الله علیه وسلم (2) فتسود المجتمع روح الاستهانة والاستکانة وکراهیة العمل ، ویصبح أفراد المجتمع « غثاء کغثاء السیل » (3) ولا ینجو أحد - إلا قلة قلیلة - من هذه الروح العامة ، حتی العلماء والمفکرون لا یتورع بعضهم عن تطویع الدین لتبریر الأموال وتحریف الکلم عن مواضعه ، وهکذا تصبح النظرة ( المادیة والنفعیة والحسیة ) هی سمة هذه المرحلة البارزة ، وهی الروح العامة المهیمنة علی الحیاة الفردیة والاجتماعیة ، وتحاصر - فی المقابل - الاتجاهات الأخلاقیة والروحیة ، ولربما سخر الناس من__________(1) سنن أبو داود الملاحم (4297),مسند أحمد بن حنبل (5/278)."