خلاصه ماشینی:
"و منها:هذه التوصیة و هی النص الأخیر فیما اجتباه ابن عبد ربه من وصایا الجاحظ و یبدو انها علی العکس من الوصیة السابقة،اذ یذکر فیها وصول کتاب أحدهم إلیه فی التوصیة بآخر،و ان لدی الجاحظ من العهد و وجوب الحرمة تجاه هذا الموصی به ما یحمله علی مکافأته و رعایة حقه.
و علی هذا فهل هذه النصوص أنشئت لهذه الغایة أکثر من أن تکون حقیقیة،کتبها الجاحظ لأشخاص معینین بدر منه تجاههم هفوات أو زلات اضطر الی الاعتذار إلیهم؟ و یتضح کذلک ان هذه الاعتذارات لا تشبه اعتذارات البحتری مثلا الذی اشتهر بهذا الفن فی هذا العصر حتی کان معروفا بها من بین سائر الشعراء45.
و یبدو ان الجاحظ یقدم مجموعة من النصائح فی هذا الفن أکثر مما یقدم نصوصا تدل علی تأثره الوجدانی،و تعاطفه مع من یعزیه،فهی کمثیلاتها من النصوص المتقدمة،تکاد تکون مجموعة من العبارات المرکزة ذات المعانی المحددة فی هذا الفن،لیقتدی بها الآخرون حین یعزون من تصیبهم مصیبة،و إلا فأین الحرارة،و التهاب العاطفة،و حرقة القلب فی هذه النصوص؟ یتضح مما تقدم کثرة هذه الفصول المنسوبة الی الجاحظ و التی أفردها ابن عبد ربه و ختم بها الفصول التی اجتباها و ضمنها کتاب(التوقیعات و الفصول و الصدور)من کتابه العقد الفرید.
و یظهر ان خلو هذه النصوص مما یمکن أن یستدل منها علی ان الجاحظ قد مر فعلا بظروف و أحوال مع افراد المجتمع،اضطرته الی الکتابة،مما یحمل الباحث علی الظن انه کتبها لتکون أمثلة یحتذی بها،و نماذج عالیة الأسلوب یقتدی بها من یروم تعاطی فن النثر هو اذا صح هذا فهی تشبه المقامات التی کان من أهداف منشئها-کما یقول- تعلیم الناشئة فن الکتابة عن طریق ما اشتملت علیه من لغة عالیة،و أسلوب متین،و ألفاظ فصیحة."