خلاصه ماشینی:
"ومن اعلام هذا النوع هو الشیخ جمال الدین القاسمی الذی اشتهر بنقله الشیء الکثیر من نصوص العلماء النوعیة التی لم تکن معروفة فی نهایة القرن الماضی وبدایة القرن العشرین مثل نصوص ابن حزم والشاطبی وابن تیمیة وابن القیم والطوفی وابن عربی الأندلسی، فضلا عن النصوص الکثیرة التی نقلها عن علماء الشیعة والمعتزلة والإباضیة، قدم مادة علمیة جدیدة ومختلفة قیاسا بالمادة العلمیة المعروفة فی ذلک العصر، وبذلک أسهم فی تنشیط الحرکة العلمیة، وفتح الآفاق أمامها، وکسر الاحتکار الصوفی والمذهبی للساحة المعرفیة فی تلک المرحلة، وأسهم فی تهیئة البیئة العلمیة لتقبل الدعوة إلی استئناف الاجتهاد، وإعادة التفکیر فی التراث الإسلامی بعیدا عن التصنیفات المذهبیة والطائفیة الضیقة، وساهم بشکل أو بآخر من خلال هذه الطریقة فی التصنیف فی إشاعة وتعزیز روح الأخوة والتسامح بین أبناء المذاهب والمدارس والفرق الإسلامیة، ومن یقرأ کتابه "تاریخ الجهمیة والمعتزلة" یجد مصداق هذا الکلام.
وعن طریق هذه النظرة المنفتحة ساهم القاسمی مع غیره من العلماء المصلحین فی غلق أبواب التعصب المذهبی بین المسلمین، وفی الدعوة إلی استئناف الاجتهاد الفقهی، والخروج بالأمة من مضایق الکتب الفقهیة المتأخرة إلی فضاء النظر الاجتهادی المستقل المدعوم بالمنهجیة الأصولیة العلمیة الضامنة لسیر العملیة الاجتهادیة بعیدا عن أدعیاء العلم والمتاجرین به، وبعیدا فی الوقت نفسه عن العابثین وأصحاب المصالح الخاصة، وخصوصا السیاسیة منها التی تستخدم التعصب والفرقة المذهبیة لترسیخ سلطتها، وضمان نفوذها فی مجتمع فقیر جاهل تقلیدی، وتری فی ظهور طبقة من العلماء المستقلین والمجتهدین تحدیا کبیرا لقبضتها المحکمة علی هذا المجتمع الذی لا یری إلا رأی حکامه ومن یدور فی فلکهم من الشیوخ الذین خانوا رسالة العلم التنویریة لمصلحة تثبیت سلطة الحاکم ضمانا لمصالحهم الخاصة."