خلاصه ماشینی:
ذکرنا فی مناسبات سابقة أن بلاد فارس بدأت فی حرکتها الأدبیة الجدیدة متأثرة بالعرب الفاتحین، أولئک الذین یتنفسون الشعر ویقتاتون علیه، وهو قیثارتهم العازفة مع حزنهم وفرحهم، والظاهر أن الفرس تأثروا بالأوزان أیما تأثر، فاستهوت شعراءهم، فولد الشعر عندهم بولادة الأوزان الجدیدة هناک، ولم ینظم الفرس علی غیر شاکلة البحور العربیة طیلة عشرة قرون، أی قبل ظهور الشعر الحر فی القرن العشرین علی ید رائده الکبیر(نیما یوشیج)، فی حرکة مشابهة تماما للحداثة الشعریة هامش: (1) یعرف ابن سینا الشعر بأنه کلام مفعم بالخیال بفواصل متساویة، مقفی عند العرب (الشفاء: 23, باب الشعر، تحقیق عبد الرحمن بدوی ـ القاهرة، 1966)، ویوافقه نصیر الدین الطوسی، إلا أنه اشترط القافیة عند العرب وغیرهم (أساس الاقتباس: 587، منشورات جامعة طهران، 1997).
شعر فارس یکتسی حلة العروض بدأ الشعراء الفرس ـ ومنذ الوهلة الأولی ـ یجنحون إلی تفضیل بعض الأوزان علی أخری، ولذلک مسوغاته النفسیة، والغرضیة، فضلا عن الأسباب اللغویة، ولعل أبرز تلک المسوغات ما ذکرناه قبل قلیل، من أن الکلمات فی الفارسیة لا تخلو فی واقعها من أن تکون ساکنة الآخر، فهی غیر مضافة إلی ما بعدها أو مضافة فتحرک بکسرة خفیفة تشبه إلی حد کبیر الکسرة عند التقاء الساکنین فی العربیة.
الأغراض الشعریة لعل من أبرز القضایا التی سقطت من بحوث النقد الفارسی قبل کتابة هذه السطور، هو موضوعة الطبع والصنعة، فهل کان الشعراء الأوائل (عصر الرودکی) شعراء طبع أم صنعة؟ وهذه مسألة لم تعتن بها مصادر الأدب الفارسی, ولعل ذلک عائد لانتفاء شاعر الطبع عندهم تطبیقیا, فغالبیة النتاج الشعری یؤید مبدأ الصنعة قبل الطبع، وهذا أمر یکاد یکون مسلما فی حق شعب اکتسب أدبه بشکل دراسیـ إن صح التعبیر ـ ، أی أن القسم الکبیر من مقومات الشاعریة عند الشعراء کان إکتسابیا متأثرا بمطالعة أو سماع الشعر العربی، بل لا نعدم أن تکون للشاعر مقدمات تعلیمیة فی إتقان الأوزان والبحور نمت عنده بوادر الفطرة والملکة.