خلاصه ماشینی:
"لقد فوت هذا الفراغ النظری علی الرأسمالیة إمکانیة التطور، وفرض علیها العودة إلی نقطة البدایة کلما قطعت شوطا لا بأس به من التجدد والتحول، وخیر مثال علی ذلک هو أعمال >مدرسة شیکاغو<، التی دعت فی وقت مبکر بعد الحرب العالمیة الثانیة، إلی التخلی عن مبادئ الرأسمالیة الاجتماعیة، مع أن هذه الاخیرة أتاحت للدول الأوروبیة التی دمرتها الحرب العالمیة الثانیة استیعاب نتائج تلک الحرب، وکان لها الفضل فی إنقاذ العالم من أزمة الثلاثینیات.
بید أن مارکس افترض إن حل المعضلة الاقتصادیة، وکسر حلقة الأزمة یتم من خلال ثورة العمال التی تطیح الرأسمالیة، لکن هذا لم یحصل لسبب بسیط هو قدرة الرأسمالیة علی تجدید نفسها، وقابلیتها لاستیعاب الأفکار الجدیدة، کما حصل مع دولة الرفاه الشامل والمدرسة الکینزیة، وتمکنها بالتالی من امتصاص نقمة العمال، ودمج الفئات المهشمة فی آلة النظام الرأسمالی نفسه.
العالم یتحسس رأسه، والأسواق تستفیق من النشوة المالیة التی أضاعت صوابها، لکن الخطأ لا یکمن فی جشع المدراء ورعونة السیاسات کما یزعم، بل فی أعماق الرأسمالیة التی جمعت فی باطنها میولا غیر أخلاقیة معادیة للحقوق، وتوقا إلی أن تکون الفوضی سبیلا إلی مراکمة الثروة، ومیلا إلی استعمار الموارد من طریق الحرب، ولأن الرأسمالیة مشغولة الآن بمحاولة التکیف وإنتاج بدیلها المؤقت، لأنها ستعود حکما إلی نموذجها الأصلی >المتوحش<، فإن الفرصة متاحة لقطع الطریق علیها والبحث عن خیارات أخری لا تبقی العالم تحت رحمة سیطرتها الرمزیة، وأسیر تقلباتها الدائمة، ولئن کانت التحولات الفکریة المنتظرة هی التحولات الأهم، فعلی الجمیع أن یدلی بدلوه، ولنکن نحن المسلمین فی مقدمة الساعین إلی إنتاج بدیل علمی وأخلاقی فی آن، قادر علی الجمع بین العدالة والکفاءة."