خلاصه ماشینی:
"*ما دور رجال الاقتصاد فی التعلیم؟و هل من المصلحة اشتراکهم فی مسائل التعلیم؟و کیف یکون ذلک؟ *ما مکان الوظیفة الاقتصادیة وسط وظائف التعلیم الأخری؟و ما علاقتها بهذه الوظائف؟ إن دراسة هذه القضایا و غیرها لاتدل فقط علی أن مجالا جدیدا من مجالات الدراسة فی التربیة و التعلیم قد بدأ ارتیاده،و إنما تعبر کذلک عن فلسفة تعلیمیة جدیدة تبدأ نظرتها إلی الحیاة من باب الاقتصاد و لقمة العیش بمعناها الواسع،و تسلم تسلیما کبیرا بأن الأوضاع و القوی الاقتصادیة فی مجتمع من المجتمعات من أهم العوامل- إن لم تکن أهم عامل-فی تحدید مجری التعلیم و تشکیله فی ذلک المجتمع،و أن التعلیم-بدوره-یمکن أن یکون عاملا هاما،إن لم یکن أهم عامل،یؤثر فی الأوضاع و القوی الاقتصادیة التی یعمل داخلها.
و حتی یتم هذا التقویم،ینبغی لنا أن نؤکد الحقائق الثلاث التالیة،و نحن بصدد تتبع العلاقة بین الاقتصاد و التعلیم: أولا:أن العلم العربی-خصوصا العلم الطبیعی و الریاضی-الذی بلغ مبغا عظیما من حیث الحجم و النمو و الابتکار فی العصور الوسطی،و الذی کانت مراکزه المعاهد العلیا من«دور العلم»و«دور الحکمة» و«المساجد»أو المدارس«الکبیرة»،قد بقی بدرجة کبیرة و فی کثیر من جوانبه«علما للعلم»أکثر من أن یطبق فی واقع حیاة الناس الاقتصادیة و الاجتماعیة و الصحیة و یتجه بهذه الحیاة الی تطویرها.
و هکذا فإن التعلیم النظامی،إذا کان أواخر العصور الوسطی قد تجاوز حدود الطبقة الأرستقراطیة (النبلاء)،و طبقة رجال الدین،فامتد إلی نفر غیر قلیل من أبناء الطبقة الوسطی- الذین کونوا فیما بعد غالبیة هذا التعلیم-إلا أنه احتفظ بطبیعته النظریة(العلم للعلم و«التثقیف»)الأرستقراطیة(التعلیم لأصحاب الفراغ و الثروة)الکلاسیکیة (الدراسات الإنسانیة:اللغة اللاتینیة و اللغة الیونانیة و الثقافة القدیمة)،مما باعد بین أبناء الطبقة الوسطی و بین الحیاة و الشعب."