خلاصه ماشینی:
"إننا بحاجة أکیدة إلی النقد، وإعادة النظر فی کثیر من الأشیاء ذات الصلة القویة بالفعل والفکر کی نتمکن من فهم ذاتنا علی الأقل، بعد أن أصبحت هذه الذات مشتتة نتیجة الإستبداد السیاسی الذی هیمن طویلا علی الواقع الشرقی وحذف رقابة الإسلام علی السلطة فی البدایة، ومحاولة التوفیق بین الشرع الإسلامی من جهة والعادات والتقالید القبلیة من جهة اخری، لتنتهی هذه المحاولة بالتدریج إلی علمنة الدولة و (فصل الدین عن السیاسة).
، دون مسألة السلطة ووضعها موضع السؤال، بل ذهب الطهطاوی إلی أن (الخلیفة أجره علی الله)، وتبرأ محمد عبده من السیاسة کما لو کانت لوثة أو وباء، فهل هذا هو المصیر الرهیب لکل الکتابات المسماة بالنهضویة ؟ (1) قد تندفع الحجة التی یلوح بها البعض والقائلة بأن هیمنة السلطة واستبدادها لم تترک فرصة للتعبیر عن الرأی، وهذا إذا کان صحیحا إلی حد ما، فلا یعنی أن الإستبداد لم یستفد من جمود الأفکار التی ظلت تراوح عند المسائل الهامشیة دون أن تتدخل فی صمیم المسألة السیاسیة، فی الوقت الذی کان بإمکان هذه الأفکار أن تفلت من قبضة السلطة فی أحایین کثیرة لتطل علی واقع إجتماعی قابل للتلقی والتحریک فی هذا العصر.
أما الواقع الإجتماعی الذی رابط الإستبداد فی جمیع أجزائه فلا تبدو هناک أیة محاولة منه للخروج من هذا الوضع السائد، وحتی بعض المحاولات التصحیحیة التی أرادت تغلیب المجتمع علی السلطة وقف المجتمع أحیانا تجاهها إما متفرجا ولم ینفع حتی (الوعی الجمعی) فی دفع الجمهور للإنخراط بالحدث نتیجة تردد هذا الوعی وشعوره بالهزیمة دائما أمام السلطة، وإما مصطفا مع السلطة لیشکل أداة قمع مضافة إلی الأجهزة البولیسیة."