چکیده:
يعتبر الموقف من الآخر ونهج التعامل معه العمادَ الرئيس للعلاقات بين الأديان، ولا يمكن تنظيم هذه العلاقات من دون وضع رؤية تفهم الآخر، وتحدّد معايير التعامل معه، وفقاً لأصول معقولة ومبرّرة منطقيّاً وأخلاقيّاً. وقد درس المفكِّرون واللاهوتيّون المسيحيون ـ وخاصّة في العصر الحديث ـ هذا الموضوع على نطاقٍ واسع. وقد ارتأت هذه المقالة أن تدرس رؤيةَ لاهوتيٍّ كبير من فلاسفة اللاهوت المسيحي في ما يُسمّى بالعصر الوسيط، وهو القدّيس توما الأكويني، لتنظر في منهجه في التعامل مع الآخر والحكم عليه، سواء كان هذا الآخر خارجَ الدائرة الإيمانيّة المسيحيّة (الكفر) أم من داخلها (البدعة ـ الهرطقة..)؛ ولتعرف ميول الأكويني في العلاقة مع الآخر ضمن ثنائيّات: الوصل والقطع؛ السلب والإيجاب؛ القبول والرفض؛ الاستيعاب والطرد.
خلاصه ماشینی:
ولكي نفهم رؤية الأكويني هنا يمكن أن ننظر إليها من عدّة زوايا: أـ الكفر والمسؤوليّة الأخلاقيّة، تنوُّع المعاني عند الأكويني أوّل خطوةٍ في التفكير الديني تجاه الآخر هو تقويم الموقف من الكفر؛ ففي الكثير من الفضاءات الدينيّة يعتبر عدم الانتماء للدين الحقّ كفراً، ومن ثمّ نلاحظ ترتيب آثار المسؤوليّة الأخلاقيّة ـ وما يتبعها من مواقف عقابيّةٍ وردّات فعلٍ ـ على كلّ مَنْ لم يندرج ضمن منظومة الدين الحقّ.
وفي الحقيقة لستُ أدري موقف الأكويني هنا من خلاص الكافر الذهنيّ، فهل يعتبره ناجياً في يوم الدينونة أو أنّه يتمّ التعامل معه هناك بطريقةٍ مختلفة؟ إنّ هذه القضيّة بالغة الأهمّية بالنسبة إلينا هنا؛ لأنّ الخلاص إذا كان بمعيارٍ عقائديّ خالص فهذا يعني أنّ الأكويني منسجمٌ مع لاهوت العصر الوسيط في حَصْر الخلاص بالمسيحيّين الحقيقيّين، بينما لو كان الكفر الذهني غير مصنَّفٍ بوصفه جريمةً أخلاقيّة مع الله والنفس فهذا يعني أنّه من الممكن أن نفتح طريق الخلاص لغير المسيحيّ فيما لو لم ينطلق كفره من خُبْثٍ أخلاقيّ وسلوكيّ، وهذا ما يمكن أن يكون لَبِنَة ومِدْمَاكَاً في طريق ولادةٍ تعدُّديةٍ دينيّة في النجاة والخلاص.
لكنّ السؤال الأصعب هنا هو: ما هي المعايير التي من خلالها نفهم أنّ الآخر والعلاقة الاجتماعيّة معه تشكِّل تهديداً للذات أو لا؟ هذا ما لم يوضِّحه لنا الأكويني، وإنّما تركه للمتغيِّرات، ولبصيرة الكنيسة وأولياء الأمور عبر الزمن، مع أنّ هذه القضيّة حسّاسةٌ جدّاً؛ لأنّ عدم وضع محدِّدات لمفهوم «تهديد الآخر للذات» يمكنه أن ينهي العلاقة مع الآخر عند أدنى مفترقٍ أو ملابسة، ونحن نرى أنّ التيارات الدينيّة المتطرِّفة ـ على سبيل المثال ـ تعتبر أصل وجود الآخر أحياناً تهديداً للذات، وهذا ما كان يفترض بالأكويني أن يتناوله لمزيدٍ من تلافي التعسُّف في تطبيق التصوُّر الذرائعيّ الذي تحدّث عنه.