خلاصه ماشینی:
"أبدأ أولا بإبراز عدد من المواقف السیاسیة المرتکزة إلی التراث فی تاریخنا السیاسی المعاصر و التی راوحت بین استخدام بعض معطیات التراث من موقع مصالح المستعمر الغربی فی توسعه و سیطرته علی الشعوب العربیة و الإسلامیة من جهة،و بین تمثل التراث صیغا فکریة و تعبویة لاستنهاض هذه الشعوب فی حرکة ثورة و مقاومة ضد السیطرة الاستعماریة الغربیة من جهة أخری.
ففی الوقت الذی صاغ فیه الأفغانی موقفا متکاملا مثلث الجوانب رابطا ما بین القهر الاجتماعی و الاستبداد الداخلی و السیطرة الأجنبیة و بالتالی رابطا بین العدل الاجتماعی و السیاسی و مقاومة استبداد الداخل و الخارج،ینفرد محمد عبده بعد انفصاله عن الأفغانی و عودته إلی مصرفی موقف وحید الجانب هو موقوف الدعوة إلی إصلاح التعلیم و التربیة.
و إنما للاشارة إلی احتمال اختراق الموقف التراثی عند محمد عبده من قبل المستعمر،إذا لم یبن هذا الموقف علی قاعدة متکاملة تجمع بین السیاسی و الثقافی و العلمی فی المشروع الاستقلالی.
غیر أن المأزق التاریخی الذی واجهه هذا المنطق هو أن الدولة کانت تبنی فی ظل غلبة الدول الغربیة آنذاک و علی نموذج مشوه لها و علی قاعدة التوظیف السیاسی الغربی لکل المعطیات التراثیة المحلیة التی من شأنها أن تعمق السیطرة السیاسیة و الاقتصادیة و أشکال التجزئة المتوافقة مع مناطق النفوذ و التوازن الدولی.
و هنا لا بد من الاستدراک أن هذه الملاحظة لا تؤدی بی إلی القول مع عبد الله العروی بطوباویة الفقیه(فی آخر کتاب له عن مفهوم الدولة)،بل أوردتها للاستنتاج أن خط رشید رضا هو غیر خط محمد عبده الذی اکتفی بالتشدید علی التعلیم،فی حین أن رشید رضا اکتفی بالبحث عن مشروع دولة للمسلمین بین مشاریع الملوک و العصبیات البدیلة الناهضة."