خلاصه ماشینی:
"الخ؟ کیف یمکن له أن یرسم معالم و ملامح التربیة الإنتاجیة للإنسان نفسه؟و إلی أی مدی یمکن الاستفادة من الشروط الغریزیة التی ساهمت بالفعل فی تطویر إنتاجیة النحل مثلا؟کیف یمکن للإنسان الخروج من دائرة الإنتاج الغریزی البدائی إلی أسلوب الإنتاج العلمی المقنن وفقا للطبیعة البشریة و لإمکانیات التقنیة؟و هل نطمح فی صیاغة نظام تربوی موحد یکون صالحا لإنتاجیة الإنسان وفق شروطه الغریزیة و الثقافیة فی کل زمان و مکان،شأننا فی ذلک شأن بقیة المخلوقات؟ إن المقارنة بین المملکة الحیوانیة و النباتیة من ناحیة،و المجتمع البشری من ناحیة أخری،لیست خروجا عن المألوف أو تفریطا فی روح البحث العلمی أو تقلیلا من شأن الإنسانیة،بل إن البحث العلمی أثبت أن هناک خصائص مشترکة بین الإنسان و الحیوان تبرر لنا الاستفادة المشترکة.
إن الفاعلیة الإنتاجیة تکمن فی الإنسان و فاعلیة الإنسان تکمن فی الثقافة السائدة کما نعتقد،و بالنظرة السریعة للثقافة السائدة فی الوطن العربی نری أنها فی عمومها ثقافة زاهدة بالدرجة الأولی تجعل الزهد فی الحیاة من مکارم أخلاقها و تجسیدا لمثلها العلیا،إنها تعد النشء للحیاة لما بعد الموت أکثر مما تعده للحیاة الدنیا،ثم إنها، أی الثقافة،السائدة تحتقر العمل الیدوی و تقلل من شأن طبقة العمال و الصناع، و ربما کان هذا سمة الثقافة الماضویة بصفة عامة فی أغلب الثقافات العالمیة،ففی جمهوریة أفلاطون المثالیة کما ترجمها الفلاسفة العرب تقرر بأن طبقة العمال و الصناع من أحط الطبقات الاجتماعیة و أدناها فی السلم الاجتماعی،و أن هذه المهن تخص العبید و الأجانب من غیر أحرار أثینا."