خلاصه ماشینی:
"و لهذا السبب و مع نمو الطبقات الوسطی بسرعة بعد الاستقلال،سواء بسبب تطور التعلیم السریع أو بسبب تطور التوظیف العمومی و المؤسسات العسکریة و المدنیة التابعة للدولة،و ما ولده توزیع المداخیل الجدیدة من إحیاء للسوق التجاریة،المحلیة و شبه الصناعیة أو الحرفیة،لم تستطع هذه الدیمقراطیة الأولی أن تقاوم طویلا،و تهاوت بسرعة بالغة تحت ضربات القوی الاجتماعیة الجدیدة التی سلمت دون تردد-مقالید أمورها-للجیش و النخبة العسکریة عموما و نشأت علی أثر ذلک أنظمة الحزب الواحد الصریحة فی بعض الأقطار،و المغطاة بواجهة شکلیة امتصت حتی مکسب التعددیة الفعلی،فی الأقطار الأخری التی لم تتأثر بقوة بالمد التقدمی و الثوری الذی طبع العقود التالیة للاستقلال.
فما هو السبب الذی یعوق التقدم السریع علی طریق هذه الدیمقراطیة إذا؟ ثالثا:التحول الدیمقراطی:المصاعب و العقبات هناک العدید من الفرضیات التی تحاول أن تفسر صعوبة هذا الانتقال نحو هذه الدیمقراطیة فی المجتمع العربی،فمن هذه الفرضات ما یقوم علی الإشارة إلی رسوخ التقالید الاستبدادیة فی الثقافة العربیة،و منها ما یشیر إلی البنیة البطرکیة أو الأبویة للسلطة فی المجتمع العربی،و منها ما یشدد علی النواحی التاریخیة النفسانیة و السلوک العام تجاه السلطة و الخوف من الفتنة،و منها ما یؤکد علی ضعف التراث و المفهوم الدیمقراطی فی الوعی العربی الحدیث، و منها ما یرکز،علی العکس،علی التنافس الطبقی أو الاجتماعی أو الطائفی بین أطراف النخبة علی احتکار الثروة،و منها أخیرا ما یرجع الأمر إلی بنی التبعیة و التخلف الاقتصادی عامة.
4-انقسام النخبة و غیاب الاجماع إذا کان من الممکن لأحد أن ینکر أن فکرة الدیمقراطیة قد غزت الفکر السیاسی العربی الیوم کما لم یحصل من قبل،و أن العمل علی تحقیقها قد أصبح من المعطیات الرئیسیة للحیاة السیاسیة العربیة،فإن ما لا یمکن إنکاره أیضا أن هذا التقدم الذی تشهده الفکرة علی مستوی الانتشار،بل حتی التطبیق،لا یترافق فی الواقع بما فیه الکفایة بتعمیق مفهومها و إبراز الشروط الثقافیة و الاقتصادیة التی تتحکم فی مسیرتها سلبا و إیجابا."