خلاصه ماشینی:
"مناهج العلماء فی اعتبار المقاصد و موقع فقهاء القیروان من ذلک لقد اختلفت أنظار العلماءمنذ عصر الرسالة فی مسألة الأخذ بالمقاصد فی الاجتهاد وعدها عند استنباط الأحکام من النصوص إلی ثلاثة اتجاهات هی: الاتجاه الأول:أصحاب هذا الاتجاه بلغوا فی عدم عدها و الأخذ بها إلی حد أفرغوا فیه النصوص من روحها،فأصبحت کالجثة الهامدة لا تغادر موقعها الذی وضعت فیه قید أنملة،و لیس فی إمکانها استیعاب ما یجری حولها من حرکة و حرکیة،و إذا بالغنا فی ذلک قلنا إنها لا تحس إطلاقا بما ینتاب الوجود من تغیر و تجدد تبعا لامتداد المجال الزمنی و تزایده نحو نقطة الفناء،و هؤلاء من اصطلح علی تسمیتهم بالظاهریة.
و لقد علق الشاطبی علی هذا قائلا:«دعوی أن مقصد الشارع لیس فی هذه الظواهر و لا ما یفهم منها،و إنما المقصود أمر آخر و راءه،و یطرد هذا فی جمیع الشریعة حتی لا یبقی فی ظاهرها متمسک یمکن أن یلتمس منه معرفة مقاصد الشارع،و هذا رأی کل قاصد لإبطال الشریعة،و هم الباطنیة:فإنهم لما قالوا بالإمام المعصوم لم یمکنهم ذلک إلا بالقدح فی النصوص و الظواهر الشرعیة:لکی یفتقر إلیه علی زعمهم.
و فی هذا المجال نجدهم یقدمون حفظ الدین علی سائر الکلیات الأخری،التی یعدونها دونه،و یتضح هذا المعنی من خلال المسائل التالیة: 1-سئل اللخمی عن رج زوج ابنته من رجل کان یعرف بالصلاح،و لکن الزوج أحدث بعد الزواج شرب الخمر و مخالطة أهل السوء،و جاهر معهم بشربها،و لما علم الأب ذلک لم یأمن علی ابنته مما یدخل علیها فی دینها و حسبها و مالها من أنواع المضرة،إما عاجلا و إما آجلا،و أراد أبو الزوجة الفراق منه،و لکنه أبی،فما العمل؟فأجاب:الأب وکیل الابنة،فإذا علم أن تزویجه لذلک الرجل لیس بصواب، و یخشی أن یفسد دینها،و یدخلها فیما لا یجوز من الشرب و غیره،و لا یرجی لمثله حسن عاقبتها معه، فرق بینه و بینها»40."