خلاصه ماشینی:
"فی هذا الزمن یجد المثقف العربی نفسه معزولا و مغتربا و غیر قادر علی إیجاد دور جدی و مؤثر یستطیع من خلاله ممارسة دوره فی الشأن العام،مما یطرح السؤال عن دوره،فأی دور للمثقف فی ظل التصدع الحاصل فی المجتمع العربی؟و أی أثر یکون له فی ظل ثورة الاتصالات التی تخترق العالم کالبرق؟ إن المثقف ولید ثقافة،و له تاریخه داخل هذه الثقافة،و إن استقی ثقافته من مصادر أخری کالتجربة الأوروبیة.
و الواقع أن هؤلاء المثقفین کانوا من الناحیة السوسیولوجیة قلیلی العدد جدا،و ذلک بالقیاس إلی حجم المهمة التاریخیة المطلوبة منهم،فما کان بإمکانهم أن یرتکزوا علی قاعدة اجتماعیة أو فئات اجتماعیة واسعة،بما فیه الکفایة،من أجل نشر الأفکار الجدیدة المستوردة من الغرب و غیر المتولدة من التاریخ العربی الإسلامی نفسه5،مما جعل المثقفین یعانون الاغتراب،و لم یأبه هؤلاء لجماهیر الشعب،ذلک لأن هذه الجماهیر کانت فی الأساس غائبة سیاسیا و اجتماعیا و ثقافیا بسبب الأمیة.
کما أن تحدی السلطة الاستعماریة و اللجوء فی الوقت نفسه إلی استعمال سلاحها الفکری حددا وضع المثقف العربی الذی ولد حدیثا و بقی خارج السلطة والشعب معا،شاعرا بالحنین إلیهما معا،هذا فی حین استمر العالم الدینی(رجل الدین التقلیدی)کامنا فی العامة(فی أحشاء المجتمع)رغم التحولات و الإجراءات التی شهدها المجتمع العربی6.
إن هذه المساومة تجعل الحلقة الرئیسیة فی سجالات المثقفین شبه مفقودة،لأن الوعی قد ترکز حول إشکالیة الدیمقراطیة من دون الوصول قبل ذلک إلی الحد الأدنی المنسجم من تعریف السلطة و المجتمع فی بلادنا،ما هو قوام کل منهما؟ما هی آلیاته؟لماذا أخفقت أشکال الحکم کلها من لیبرالیة و دکتاتوریة و حزبیة و لا حزبیة،و من دینیة و علمانیة،و لماذا توحدت رغم هذا الاخفاق فی السمات الجوهریة الخاصة بعلاقة الحاکم بالمحکوم،و من ثم فی علاقة المثقف بالسلطة؟11."