خلاصة:
هذه المتابعة تشکل قراءة مکثفة لموضوع العقل، وفق المفهوم الإسلامی السلفی، مع
مناقشة موضوعیة یسیرة للمفهوم المعتزلی والفلسفی داخل دائرة التراث الفکری
الإسلامی، ولم تتطرق إلی الفلسفات الغربیة الحدیثة، أو الیونانیة التی أطالت البحث
فی میدان العقل فضلت وأضلت، فالهدف هو توصیف الفکر الإسلامی، الذی بینه الإسلام،
وخاطبه القرآن الکریم، بمعزل عن الجدل المنطقی والفلسفی حول ماهیة العقل وأقسامه
وأنواعه.
ملخص الجهاز:
"أما عالم الغیب الذی یستدل علیه العقل عن طریق معرفته الحقیقیة بعالم الشهادة، فلا مجال للعقل فی تفصیلاته، ولا قدرة له فی ذلک، فإنه مرتبط بعالم الشهادة، وما یکون من نمو عقلی للإنسان وتمکن فی حواسه إنما هو محصلة معرفة واقعیة محسوسة لعالمه المشاهد والله أخرجکم من بطون أمهاتکم لا تعلمون شیئا وجعل لکم السمع والأبصار والأفئدة لعلکم تشکرون (68)، لکن هذه المعرفة العقلیة نتجت عنها ضرورة عقلیة بوجود عالم الغیب، وما عالم الشهادة إلا أثر له، وبعد ذلک لا یستطیع العقل تقدیم تفاصیل ذلک العالم، عندها تکون الحاجة ماسة لطریق آخر وهو الوحی والنبوة، وهی کذلک یسلم العقل بوجودها وإثباتها عن طریق النظر العقلی، ویکون دور العقل هنا التلقی والفهم الصحیح للنصوص القادمة عن طریق الوحی (69)، ولا یتصور وجود تعارض بین العقل السلیم والوحی، لأن الوحی منهج الله، والعقل خلق الله، فلا یمکن تصادمهما.
ولا یخفی أن هؤلاء الفلاسفة قد ساروا خلف المفهوم الیونانی للعقل، وهو بالطبع مختلف عن المفهوم الإسلامی، ومشوب بعناصر وثنیة مختلطة بعبادة للعقل، لذا جاءت نظریة العقل عندهم بعیدة عن التصور الإسلامی، وامتزجت بشیء من التصوف، والتعبیر بالمصطلحات الدینیة عن معان فلسفیة، فأدی ذلک کله إلی اختلال المنهج الذی أفضی إلی اختلال التصور العقیدی، وخاصة شرح عملیة الخلق وعملیة المعرفة (94)، وهم یحاولون إیجاد منهج توفیقی بین الإسلام والفلسفة فی الاعتراف بالنبوة والوحی، وإخضاعها لسلطان العقل، لکنهم ضلوا وانحرفوا، حیث جعلوا العقل المصدر الأول للحکم علی کل شیء فهم یرون: 1 ـ أن الأصل الذی یصدر عنه العقل والوحی واحد هو الله أو العقل الفعال، ومن ثم ما یأتیان به واحد، فلا یمکن حصول تضاد بینهما فیما جاءا به من حقائق."