خلاصة:
لممارسة الصلاحيات الاستثنائية التي منحها القانون تبعاً لقيام حالة الثلبسء فرضت أغلب القوانين ضرورة توافر شرط
آخر علاوة على قيام حالة التلبس ذاتهاء يتمثل في توافر دلائل كافية أو قرائن قوية على الاتهامء رغم أن شرط التلبس
يستوعب أو يستنفد عقلاً ومنطقاً شرط الدلائل الكافية أو القرائن القوية؛ ويضسترذلك بأن التلبس حالة عينية تتصرف إلى
الجريمة ذاتها -بصرف النظر عن مرتكبيها، ما يعني أنه يتوفر به عنصر واحد من عنصري الاتهام -ألا وهو عنصر
ثبوت الجريمة، دون العنصر الثاني المتمثل في إسنادها إلى المشتبه به المطلوب القبض عليه. لهذا كانت حالة التلبس لا
تشمل في -حدها الأدنى- سوى عنصر واحد هو عنصر الموضوع في الاتهامء دون العنصر الآخر المتمثل في شرط
النسبة المتمثل في عنصر الإسناد أو ما يمكن التعبير عنه بالعتصر الشخصي للاتهام. وإذا كانت شرائط التلبس تلعب
دوراً هاماً في تحديد كفاية دلائل الاتهام بالأحوال الخاصة به (سواء أحوال التلبس الحقيقي أو الحكمي)؛ ليكون ممكناً
ترتيبها لآثارها المتمثلة في اتخاذ ما يلزم من إجراءات جزائية بناء عليها تمنح استثناء لرجال الضابطة العدليةء وفقاً لما
اقتضته اغلب القوانين المقارنة من تطلب كفاية هذه الدلائل علاوة على قيام حالة التلبس ذاتها؛ فإن خصائص التلبس
تلعب دوراً هاماً بل وجوهرياً في تحديد نطاق هذه الآثارء وتمييز ذلك بين الناحية العينية التي تحصر هذه الآثار بذات
الجريمة المتلبس بها دون غيرها حتى في أحوال الارتباط مثلاًء والناحية الشخصية التي لا تحصر هذه الآثار بالشخص
الذي ضبط فعلياً بحالة التلبسء بل تتيح تجاوز نطاق هذا المتهم إلى غيره من المساهمين في الجريمة المتلبّس بهاء حتى
أولئك غير المتواجدين في مسرح الجريمة لحظة ضبطها. ومن حيث يقينية التلبس سنجد أنه يكفي لقيام حالة التلبس توافر
المظاهر الخارجية التي تنبئ لرجل الضبط عن وقوع الجريمةء دون ضرورة أن يثبت بالنتيجة صدقهاء أي حتى ولو تبينت
براءة المتهم من الجريمة المتلبّس بها؛ حيث نؤسس ذلك بناء على القول بأن أعمال الاستدلال جميعها من أعمال السلطة
لا من أعمال التصرف، وهي بصفتها هذه يكفي لمشروعيتها توافر العنصر المعنوي المتمثل في اعتقاد مشروعية العملء
من خلال الاعتقاد المبني على أسباب معقولة بقيام الحالة الواقعية التي اقتضت اتخاذ العملء دون ضرورة قيام الأساس
الواقعي للتهمة بنتيجة المحاكمة. ما يكون معه التساؤل الصحيح هو فيما إذا تقيد بحدود مشروعية الإجراء، أي في حدود
الإطار القانوني الذي قيد به المشرع رجل الضبط الجنائي. أي فيما إذا توافرت في واقعة القضية أسباب واقعية تبعثه -في
حدود المعقول- على الاعتقاد بتوافر حالة التلبس أم لا.