ملخص الجهاز:
"إن أهمیة الفلسفة والعلوم العقلیة القائمة علی أصول ومبادئ تکمن فی أنها تقرأ وفقا لاجتهاد من نوع الاجتهاد التحقیقی لا التقلیدی، إنها لا تفهم إلا عبر هذا النمط من القراءة، تماما کان علیه حال کبار رجالات الفلسفة، ممن أشرنا سابقا إلی بعضهم، وما کل تلک الاختلافات والامتیازات التی نشاهدها فی الأسس والمسائل الفلسفیة، فی تمام فروع الفلسفة وأقسامها، حتی علی مستوی الإثبات والإنکار المتقابلین تقابلا تاما مثل أصالة الماهیة أو الوجود، واتحاد العاقل والمعقول وعدمه، وإثبات الحرکة الجوهریة ورفضها، وروحانیة حدوث النفس أو جسمانیته، وعشرات المسائل الأخری..
إن الفلسفة ـ کما فی الاصطلاح ـ مرصد لمعرفة حقائق العالم، بل لابد من القول: لفهم عوالم الوجود برمته، وعلیه، لا یمکن أن یکتفی فی مسائلها بالاجتهاد التقلیدی ذی النوع الأول، إن عظماء الفلاسفة شخصیات کبیرة بالتأکید، لکن لا ینبغی الإحساس بالرعب والرهاب تجاههم، وأن تبذل الجهود برمتها لا لشیء سوی لفهم کلامهم وفقط، فلو أن هؤلاء العظماء اکتفوا بفهم آراء من سبقهم لما شاهدنا الیوم أی طرح أو إثارة لعدد کبیر من المسائل الجدیدة فی الفلسفة، ولما شاهدنا التحولات الکبری فی تاریخ الفلسفة الإسلامیة، من الفلسفة المشائیة إلی الإشراقیة، ومن الإشراقیة إلی الصدرائیة، ومع ذلک ما زلنا نشاهد قدیما وحدیثا أن هذه الاتجاهات الثلاثة ـ سیما منها الأول والثالث ـ باتت مسلمات لدی المشتغلین بالفلسفة، تماما کالوحی المنزل، وغدت تمام براهینها براهین أولیة، ولهذا لم نجد أی تفکیر ـ إلا فی بعض الحالات ـ فی التجدید والابتکار، وعلی افتراض حدوث مظاهر لذلک فإن العقول المأنوسة بتلک الفلسفات لا ترحب بها أو تشجع علیها( 9 )."