چکیده:
إنّ الشاعر یلعب دوراً بارزاً فی الحیاة الاجتماعیة عامة وفی الحیاة الأدبیة خاصة، کما یؤثر علی الناس بشعره وخیاله الرحب. وبالطبع إنّ ذلک التأثیر من قبل الشاعر لا یتحقق فی عالم الحقیقة فحسب، بل یتحقق فی عالم الخیال؛ حیث ینأی الشاعر عن السیق المألوفة ویتحدث بصوت أعمق وأغرب من العادی، کی یمنح المتلقی صور حسیة ذات فاعلیة وحرکة. ومن الأدوات التی یستخدمها الشاعر کی یصدر إنتاجاً أدبیاً ذات فاعلیة وتأثیر، هی "تراسل الحواس" أو "الاشتباک الحواسی" أو "الحس المتزامن". فیجدر القول بأنّ هذه التقنیّة إحدی التقنیّات المهمّة التی ظهرت کمصطلح نقدی فی الأعوام الأخیرة عند نقّاد الأدب. التقنیّة هذه وإن کانت حدیثة الظهور فی النقد الأدب العربی، لکنّ توظیفها فی النصوص الأدبیّة کان موجوداً، بدءً بالعصر الجاهلی و مروراً بالعصر المعاصر. وعلی ضوء أهمیّة المسألة تتعاطی هذه المقالة تراسل الحواسل لغة واصطلاحاً مع الحدیث عن نشأته بین الرمزیین وظهوره فی الأدب العربی، ثم تأخذ تعالج أشکال هذه التقنیّة فی شعر الشاعر المصری أمل دنقل. من المستنبط أنّ الشاعر اهتمّ إلی حد کثیر بهذا الفن اجتناباً عن استعمال القریب المألوف لللفظ وإکثاراً من أدبیّة النص مع میله الشدید فی الإنزیاح تجاه محور المجاورة.
خلاصه ماشینی:
والشاعر مال إلی توظیف هذا النوع من التقنیة الأدبیة فی قصیدته «شتاء عاصف» قائلا: وکانت الأحجار فی سکونها الناصع مغسولة بالمطر الذی توقفا وکان فی المذیاع أغنیة حزینة الإیقاع (نفس المصدر: 197) کما یبدو من النص إن الشاعر جعل للسکون الذی هو من مدرکات حاسة السمع لونا یدرک عن طریق حاسة البصر وأخرجه من حقله المألوف وحمل علیه الإیحاءات الجدیدة لیزداد علی قیمة نصه الشعری؛ لذلک نحن أمام تعبیر انزیاحی تکون إثر مزاوجة مجازیة.
2. التراسل بین المرئی والذائقی «الحق أن إدراک التذوق بالعین من الأنماط القلیلة وربما یعود ذلک إلی طبیعة هذا النوع من التراسل، فتحول العین إلی فم یتذوق- أمر غایة فی الخیال- ولم یلجأ إلیه الشعراء الذین طغی الخیال لدیهم وکان مصحوبا بعاطفة جیاشة»(محمد الوصیفی، 2008م: 117) وبین أیدینا ما یدل علی توظیف هذا النوع عند الشاعر أمل دنقل حیث ینشد فی قصیدته «الضحک فی دقیقة الحداد»: تقصد النیل ..
مضافا إلی ذلک وظف الشاعر هذا النوع من التراسل عندما جمع بین کلمة القبلة المدرکة بحاسة البصر وکلمة الدافئة المدرکة بحاسة اللمس قائلا: زهرة من غناء تتورد فوق کمنجات ذکرک حیت تفاجئک القبلة الدافئة زهرة من غناء (نفس المصدر: 287) والملاحظ فی الفقرة الشعریة السابقة یکشف عن انزیاح وقع فی النص بین الصفة والموصوف؛ إذ أن القبلة یمکن إدراکها بالعین وهی أمر مرئی بینما أن الدفء امر لمسی کما سبق ذکره.
1. التراسل بین الانتزاعی والمرئی لقد أکثر أمل دنقل من توظیف هذا النوع نیة الإبداع فی التعبیر والترکیب الشعری وکسر البنیة التوقعات حیث نراه قائلا فی قصیدته «بطاقة کانت هنا»: الوحشة السوداء فی الأعصاب تنغرس یدی علی الجرس سدی..