چکیده:
يتناول المعاصرون من کتّاب تاريخ الأدب موضوع الزندقة والشعوبية في هذا العصر باعتبارهما من الظواهر التي تأثر بها الأدب العربي. ويذهب کثير منهم إلی أن الإيرانيين کانوا وراء موجة الزندقة وموجة الشعوبية، ومن المتهمين الإيرانيين بشار بن برد الذي کثر الحديث عن زندقته وعن شعوبيته. هذا المقال يسعی لأن يلقي الضوء علی الأسباب التي أدت إلی اتهام بشار بالزندقة وکان خالصا منها؛ وهکذا يرفض شعوبية بشار ويجعلها من مؤامرات أعدائه ليلصقوا به تهمة الزندقة.
خلاصه ماشینی:
"وما من أحد ینکر عصبیة بشار لأصوله الفارسیة ومبالغته فی الإشادة بنسبه، واعتزازه الشدید بقومه، ولکن هذا الأمر لا ینحل بالضرورة عن مسألة التحزب، أو العمل المنظم فی إطار الشعوبیة لبلوغ أهداف سیاسیة کما توهم بعض الدارسین، بل ینحل عن موقف شخصی، وکیف لا وبشار قد بلغ ما بلغ من الشهرة وذیوع الصیت وعلو القدر؟ فلیس أقل من أن یدافع عن ذاته ویرد کید الخصوم بکل ما أوتی من قوة، لأنه فی مثل هذه الظروف یدافع عن ذاته وشاعریته وتمیزه، من أجل ذلک لم یکن متسامحا حتی مع سیبویه وهو من أصل فارسی حین عاب علیه قوله: تلاعـب نینـان البحـور وربمـا لهوت بهـا فی ظـل مرؤومة زهر فقال سیبویه لم أسمع ونینان، فلما بلغ ذلک بشار بن برد قال فی هجائه: أسبویه یا بن الفارسیة مـا الـذی تحدثت عن شتمی وما کنت تنبذ(١٨) هذا مع أن بشارا لم یکن بالذی یثبت عند عصبیة خاصة بالفرس أو بالعرب، فقد کان کثیر التلون فی ولائه، شدید الشغب و التعصب للعجم، مرة یقول یفتخر بولائه فی قیس: أمنت مضـرة الفـحشـاء أنـی أری قیسا تـضر ولا تـضـار کأن الناس حین تغیب عنـهم نبات الأرض أخطـأه القـطـار وقد کانت بتـدمر خیل قیس فکـان لتــدمـر فـیـهــا دمـار بحی من بنـی عـیلان شـوس یسیر الموت حیث یقال ساروا ومــا نلـقـاهم إلا صـدرنـــا بــری منـهــم وهـم حــرار ومرة یتبرأ من ولاء العرب فیقول: أصبحت مولی ذی الجلال وبعضهم مولی العریب فخذ بفضلک فافخر مولاک أکـرم مـــن تمـیم کـلـهـا أهـل الفعـال ومن قریش المشعـر فارجـع إلی مــولاک غیر مـدافـع سبحـان مــولاک الأجـل الأکـبـر وقال یفتخر بولاء بنی عقیل: إننی من بنی عقیل بن کـعـب موضع السیف من طلی الأعناق(١٩) الملاحظة الهامة التی لا بد من تسجیلها هنا هی إیجاد الارتباط بین الشعوبیة والزندقة من ناحیة بعض الأدباء، فإنهم جعلوا الشعوبیة من دوافع المجون ومن ثم الزندقة، علی اعتبار الشعوبیة کما یقول محمد مصطفی هدارة: «کانت تهدف إلی تحطیم معنویات المسلمین ودس الأکاذیب والمفتریات فی أصول دینهم حتی ینتقموا لأصولهم الفارسیة»(٢٠)."