خلاصه ماشینی:
"أما القسم الثانی : وهو حال المخاطب بالنسبة إلی المعنی الذی سیق له الکلامفتتوقف معرفته علی أمور کثیرة ومعارف جمة یتوصل بها إلی معرفة طبائعالأشخاص ومداخل المعانی إلی قلوبهم ، فمن أراد أن یقنع مخاطبه بعقیدة مثلا فعلیهأن ینظر فإن کان المخاطب ممن لا یقنع إلا بالبرهان فعلیه أن یقیمه له ، وإن کانممن لا یدرک البرهان ، ولکنه یقنع بالمسلمات مثلا سلک معه له تلک السبیل ولایکون بلیغا إلا إذا لاحظ ذلک مع ما یتعلق بالنظم : لو سلک الأستاذ هذا المسلک لجمعالمعانی الکثیرة إلی ذهن الطالب ووجه نفسه إلی الغایة المطلوبة منها ثم إنه بعد ذلککله لا یعد معلما للبلاغة إلا إذا وجه فکر الطالب إلی ممارسة کلام العرب ونسج فیالتحریر والتعبیر علی ما نسجوا علیه حتی تحصل له ملکة البلاغة ویصل إلی الغایةمن علمه .
وأما طلب هذا العلم بمجردقراءة کتبه ومعرفة ما دلت علیه عبارتها فقط فهو فی الحقیقة مما یصد عن الیقینویبعد عنه خصوصا إذا خاف الناظر من أن یقال إنه فیلسوف أو معتزلی أو ما أشبهذلک ؛ فإنه لا یقین مع التحرج من النظر ؛ وإنما یکون الیقین بإطلاق النظر فیالأکوان طولها وعرضها حتی یصل إلی الغایة التی یطلبها بدون تقیید کما هدانا اللهإلی ذلک فی کتابه فإنه یخاطب الفکر والعقل والعلم بدون قید ولا حد ، ووقوفنا عند حدفهم العبارة مضر بنا فی العلم ومناف لما کتبه أسلافنا وما ترکوه لنا من جواهرالمعقولات فی الکتب النفسیة المستودعة بخزائننا التی أصبحت الیوم أکلة للسوسوفراشا للأتربة ، لا نمد أیدینا لنستلبه منها أو لنزعج السوس عن أکلها وإتلافها ،أنفس ما فیها فر من بین أیدینا ورصعت به خزائن أمم أخری أصبحت الآن تنعتبأمم النور ولو طلبناها لم نجدها ."